اسئلة تتردد على ألسنة العامة والنخب السياسية والاعلامية، هل هناك مصالحة؟ وبماذا تختلف الجولة الجديدة عن سابقاتها؟ أو لم يفقد المواطن الثقة بكل الحوارات؟ ولماذا نتفاءل والقيادات هي ذاتها؟ ولو بدها "تشتي" مصالحة، كان غيمت بفتح معبر رفح على اقل تقدير؟

الاسئلة تبز الاسئلة، وجوهر ما يدور الرغبة العميقة في عقل كل مواطن فلسطيني، آن الأوان لطي صفحة الانقلاب في محافظات الجنوب، وعودة اللحمة والوحدة الوطنية لسابق عهدها، بالمقابل تحمل الشعور بالاحباط والقنوط نتاج فشل كل المحاولات السابقة، لان القيادة المتنفذة على الارض في قطاع غزة، لم تعد تفكر بالمصالح الوطنية العامة، بقدر ما تفكر في حساباتها الضيقة.

مع ذلك، على ابناء الشعب الفلسطيني في ارجاء الوطن والشتات، الا يفقدون الامل، وان يحافظوا على درجة ما من التفاؤل في كسر دائرة الانقلاب الحمساوي. لا سيما ان حركة حماس تعيش وضعا ماليا وسياسيا صعبا. بعد ان تخلت بعض الدول الاقليمية الحاضنة لجماعة الاخوان المسلمين عموما وفرعها الفلسطيني حركة حماس خصوصا، ليس هذا فحسب، بل انها إتخذت إجراءات ردعية لم تكن في حسبان جهابذة قراء الفلك والتنجيم. وأوعزت لخالد مشعل واقرانه في قيادة الحركة العودة لحاضنة الشرعية الوطنية؛ لانها ملاذهم ومخرجهم من ازمتهم. وحتى الدوحة القت بثقلها في هذا الاتجاه، انطلاقا من قراءتها للتطورات في الوطن العربي والاقليم. وهي التي ستشهد يوم السبت المقبل لقاء عمل يجمع مشعل وفريقه المقيم هناك (قطر) مع الاخوين عزام الاحمد وصخر بسيسو لبحث الرسائل، التي وجهوها للقيادة الشرعية، وابدوا فيها الاستعداد للمضي قدما لطي صفحة الانقلاب. لكن قيادة حماس ضمنت رسائلها الايجابية شكلا العديد من المطالب، التي توحي للمتلقي، بأن قيادة فرع جماعة الاخوان في فلسطين، ما زال يراوح في ذات المكان، ولم يستفد من دروس التجربة السابقة على مدار السنوات التسع الماضية، ما يدع المرء يستخلص، ان ما هو مطروح من قبلهم شكل من اشكال المناورة والبروبغاندا الاعلامية، لكسب الوقت لعل وعسى ان تتغير المعادلة السياسية، وتخرج حماس من عنق الزجاجة.

مع ذلك، لا يجوز فقدان الامل وطي صفحة التفاؤل، لان الرئيس ابو مازن حريص على فتح افق للمصالحة. والدليل انه وافق مباشرة على الاستجابة لرسائل قيادة حماس، وسيوفد الاخوين عزام وصخر للقاء مشعل. وايضا ابلغهما الاستعداد الفوري والمباشر لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإصدار مرسوم لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني خلال ثلاثة اشهر وليس ستة اشهر. ودون الدخول في التفاصيل الاخرى، وايضا عقد المجلس الوطني بقوامه الحالي، وليس كما تطالب حماس بعقد مجلس وطني جديد. الذي يعني تأخير عملية المصالحة.

لكن القيادة الشرعية، وهي تتجه إلى لقاء الدوحة بقلوب مفتوحة، إلا انها اعلنت للجميع، انها لن تتخلى عن الرعاية المصرية لعملية المصالحة. وللتأكيد على هذا الموقف، انطلق امس الاخوان الاحمد وبسيسو الى القاهرة للقاء جهات الاختصاص المصرية بملف المصالحة للتشاور معهم في الخطوة الجديدة. ولتعزيز التنسيق الثنائي الفلسطيني المصري في هذا الشأن.

ما بين التفاؤل والتشاؤم مسافة من الخطوات العملية لا اللفظية. واذا كانت حركة حماس معنية بدفع الامور بالاتجاه الايجابي، فعليها ان تكف عن وضع الشروط والمطالب غير الواقعية. وتتبنى خيار التقدم بخطى حثيثة نحو تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والانتخابات الرئاسية والتشريعية وتسليم المعابر كلها والحدود لحرس الرئاسة. كمدخل طبيعي وضروري للبحث في كافة التفاصيل لتعزيز الشراكة السياسية مع الكل الفلسطيني.