نظّم مجلس عكّار في المؤتمر الشعبي اللبناني احتفالاً تضامنياً مع الانتفاضة الفلسطينيّة البطولية في ذكرى المولد النبوي الشريف والميلاد المجيد السبت في 19\12\2015 في قاعة المدرسة الوطنيّة الأرثوذكسيّة - الشيخ طابا عكّار.

وتقدّم الحضور النائب السابق مصطفى علي حسين، وممثّل النائب نضال طعمة، وممثّل النائب السابق وجيه البعريني، وامين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" في الشمال أبو جهاد فياض، والشيخان عمر كيلاني وعلي السحمراني، والأبوان نايف اسطفان وفؤاد مخّول، ورؤساء بلديّات: الدبّابيّة، والدورة، والنفيسة، وأعضاء مجالس بلدية من: عكّار العتيقة، ومزرعة بلدة، ومخاتير: حلبا، وهيتلا، والدورة، ورئيس الجمعيّة الحميدية الخيرية الإسلامية المحامي خالد الزعبي، ورئيس جمعيّة تجّار عكّار ابراهيم الضهر، ورئيس اللقاء الاقتصادي في الشمال خالد سعيد الحايك، ورئيس جمعيّة نهر الحياة الخالد محمّد أبو بكر، ورئيس جمعيّة البيت السعيد المحامي عبّاس الملحم، وممثّل عن رجل الأعمال أسعد درغام، ووفد اتّحاد الكتّاب اللبنانيين من الدكتور مصطفى عبدالفتّاح والدكتور مصطفى عبدالقادر، وممثّل عن التيّار الوطني الحرّ، ووفد من فصائل الثورة الفلسطينية، وحشد من مدراء الثانويات والمدارس والتربويين وأصحاب المهن الحرّة.

وبعد النشيد الوطني اللبناني ووقفة صمت مع الفاتحة أو الصلاة، قدّمت الخطباء عضو تجمّع نساء عكّار رشا اليوسف مرحّبة بالحضور باسم مؤسّسات المؤتمر الشعبي اللبناني ونوّهت باختيار المناسبة الإيمانيّة التي تؤكّد عمق الصلات بين المسلمين والمسيحيين، وأشارت إلى أنّ القدس وفلسطين تجمع كلّ المؤمنين وكلّ الوطنيين والعروبيين، أمّا التطرّف فإنّه يفرّق وينشر الفتن.

ثمّ كانت كلمة سيادة المتروبوليت باسيليوس منصور مطران عكّار وتوابعها للروم الأرثوذكس ألقاها عنه نيابة عنه الأب المؤرّخ نايف اسطفان، وممّا جاء فيها: "للعيدَين المتزامنين دلالات معنويّة عظيمة وروحيّة لا تبارى، وعودة زمنيّة للتأكيد أنّ الدين والإيمان بالله يجمع ولا يفرّق والعبرة في النفوس وليست في النصوص. فالنفوس التي رؤيتها غير سليمة، لا يمكن أن تقرأ النصوص قراءة صحيحة بل ستُعمى عن الخير وستقرأ قراءة سيّئة بعصبيّة وبرؤية محدودة. ومن يقرأ بروح المحبّة سيُخرج من المرّ حلاوةً، هكذا نفهم العيدَين، ومعاً نبني مع أحبّة من المسلمين والمسيحيين، وقد تُرجم هذا التلاحم الإيمانيّ بين الطيّبين علاقاتٍ للمودّة والتراحم، وتحت هذه الأجنحة كنّا متّحدين في مواجهة حقبات التاريخ إلى هذه الساعة. وخير دليل على الوحدة أنّنا جميعاً ننطلق من رؤيةٍ موحّدة نحو القدس الشريف، والقدس مركز الكنيسة الأولى ومكان تأسيس الأسرار، ومبتدأ الثورة في وجه الظلم اليهوديّ، والقدس للمسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين، إليها تُهدى الثمار المباركة الزيتون، وفيها أُقيمت أماكن العبادة والتصوّف.

واليوم القدس مغتصَبة والأقصى في خطر، ونستغرب كيف أنّ التنظيمات الإرهابيّة تهدّد المسيحيين الباقين في القدس ولا تهدّد اليهود الذين يغيّرون معالمها. القدس تجمع كلّ أبنائها ولا ترفض أحداً إلّا من لم يتطهّر قلبه من الحقد والتعصّب والعنصريّة. في العيدَين القادمين نعايد كلّ واحد استعمر قلبه الإيمان وملأه بالرحمة والمحبّة".

ثمّ كانت كلمة الرئيس السابق لقلم المحكمة الشرعية في عكّار الشيخ عمر كيلاني، حيثُ أكّد أنّ العيش المشترك ضرورة وطنيّة ولا تتحقّق الانتصارات إلاّ بفضل الوحدة ولا تستقرّ المجتمعات إلاّ مع التآخي والتلاحم، وأضاف "ها هو التاريخ العربيّ يُظهر ذلك في مراحل عديدة، وإنّ الأصل في الإسلام أنّه ﴿لا إكراه في الدين﴾ والإيمان دعوة للتراحم والتلاقي من أجل مواجهة الخطر الصهيونيّ والخطر الاستعماريّ عامّة، وهذا أمرٌ يحتاج إلى حشد الطاقات وتشابك الأيدي كي نحقّق النصر على الأعداء ونزيل الاحتلال وننال عزّتنا وكرامتنا. ونوّه بأصالة العكّاريين المتمسّكين بإيمانهم ووحدتهم والذين لا مكان بينهم لمتعصّبٍ أو متطرّف"، وأشار كيلاني بأنّه لا يرى مانعاً من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والميلاد المجيد ومن قبل الطرفين المسيحي والمسلم. ودعا إلى رفع درجة التضامن مع ثوّار فلسطين الذين يصمدون ويقاتلون ويستشهدون بالنيابة عن الجميع.

بعدها كانت كلمة الساحة الفلسطينية التي ألقاها أمين سر حركة "فتح" في الشمال أبو جهاد فيّاض، وممّا جاء في كلمته: "إنّ أهلنا في فلسطين يحتفلون بالمولد والميلاد على طريقتهم الخاصّة، وفلسطين أرض الأنبياء والرسل وأرض القداسة وأرض الرباط. فسيّدنا المسيح عليه السلام وُلد في بيت لحم وحمل في رسالته قيم المحبّة والتضحية والسلام، وعَمِلَ لنشر الإيمان ومحاربة الكفر، وأعطى مثالاً رائعاً في الجرأة والثبات، وفلسطين تشرّفت باستقبال الرسول عليه الصلاة والسلام في القدس عندما أُسريَ به إلى المسجد الأقصى ثمّ عرج منها إلى السماء. وإنّ الشعب الفلسطيني يعتزّ ويفتخر بالوحدة الحقيقية التي تجمع المسلمين والمسيحيين ضدّ عدوٍّ واحد هو الاحتلال الصهيونيّ الغاصب وهذا العيش المشترك أصبح نموذجاً ومثالاً يُحتذى في التلاقي الإسلامي المسيحي، وهذه والوحدة تشكّل عقبةً أساسيّةً في وجه الاحتلال ومحاولاته اليائسة لتصفية القضيّة الفلسطينية".

وأكمل فيّاض قائلاً: "إنّ فلسطين اليوم تتعرّض لأبشع مؤامرة متواصلة قبل النكبة وبعد النكبة العام 1948 وحتّى اللحظة الحاضرة، والحكومة الاسرائيلية  تستقوي بحليفتها أمريكا وتمعن بالإجرام والاستيطان والقتل والتدمير من أجل اقتلاع شعبنا من أرضه وإحلال عصابات المحتلّين مكانه. كما أنّ العدوّ يعمل لتقسيم الأقصى كما فعل بالحرم الإبراهيمي، وإنّ عصاباته تعتدي على الكنائس والمساجد على حدٍّ سواء. وإنّنا إذ نحتفل بالمناسبتين الجليلتين فإنّنا نشيد بجسارة شعبنا وشجاعته وبشبابنا الذين يواصلون انتفاضتهم الشعبيّة ومقاومتهم حيث تجاوز عدد شهداء هذه الانتفاضة 126 شهيداً بينهم 25 طفلاً وأكثر من 14 ألف جريح، هذا غير الأسرى والجرحى. وفي احتفالنا القلب حزينٌ والعين دامعة على ما يحصل في وطننا العربيّ من احتراب بين الأخوة ومن قتلٍ وتدميرٍ للعواصم، وما يحصل حرفٌ متعمّد لبوصلة الجهاد وخدمة مجّانية للعدوّ الصهيونيّ".

وختم فيّاض قائلاً: "في هذه الأيّام المجيدة نتمنّى للبنان الخير والاستقرار، لأنّ لبنان القويّ قوّة لفلسطين، ويدفع تجاه رفض التوطين أو التهجير لأبناء شعبنا المتمسّكين بحقّ العودة إلى ديارهم في فلسطين المحتلّة".

الكلمة الأخيرة كانت لمسؤول الشؤون الدينية في المؤتمر الشعبي اللبناني الأستاذ الدكتور أسعد السحمراني، هذا نصّها: "نلتقي اليوم في مناسبتين حاسمتين من تاريخ البشرية جمعاء هما: ميلاد المسيح وميلاد محمد عليهما الصلاة والسلام، والمناسبة مع المولدين وقفة تضامنية مع أبطال القدس وعموم فلسطين الذين يسطرون بدمائهم الزاكية صفحات للعزّة والكرامة، ويرسمون خارطة الطريق باتجاه النصر والتحرير، وفي هذا الجو العابق بالإيمان والوطنية والعروبة والذاخر بالفدائية في أعلى مستوياتها أنقل إليكم تحيات رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني الأخ المناضل كمال شاتيلا، وتحيات مع ترحيب إخواني في قيادة المؤتمر الشعبي اللبناني في عكار.

المولد والميلاد يلتقيان هذا العام زمنياً ليذكّرا المؤمنين باللقاء المتجدد بين عناصر جبهة المؤمنين في مواجهة شرور العصبيات الرديئة، والفتن القاتلة، وسموم التطرف المهلكة للحرث والنسل، ونوازع الإرهاب والعنصرية التي لا تجلب إلا الخراب والدمار والقتل مستغلة الجهل الذي هو جذر لكل الرذائل، والهوى الذي هو شيطان مضل.

ويكفي أن نتذاكر بنصين يرسمان فضاء العلاقات بين أفراد البشر جميعاً، ويحددان سبيل التعامل مع كل المخلوقات يدوران حول رئيسية الرحمة.

ففي النص الانجيلي: (طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون)، وفي الحديث النبوي: (لا تُنزع الرحمة إلا من شقي). هذا الأساس ضابط حاكم على كل ما يقوله أو يفعله الإنسان وهو معيار للحكم عليه بالصلاح أو الفساد.

وقد كانت القسوة، وكان الإجرام دوماً سمةَ من لا إيمان له ولا أخلاق ولا قيَم يلتزمها.

وإن المحطات التاريخية التي تبين ذلك تفوق القدرة على العدّ والإحصاء، منها واقعة جرت في اليمن قبل الإسلام، وهي جريمة قام بها الملك ذو نؤاس اليهودي بحق المسيحيين، فجاءت آيات القرآن الكريم مخبرة عن ذلك مبينة دافع الجريمة من قبل ذو نؤاس العنصري المجرم، وأن من وقع عليهم العدوان هم مسيحيون آمنوا بالله تعالى.

قال تعالى في سورة البروج: ﴿قُتِل أصحاب الأخدود *النار ذات الوقود *إذ هم عليها قعود *وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود *وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد﴾

هذه الجريمة اليهودية العنصرية بحق مجموعة من المسيحيين منذ ستة عشر قرناً ورد ذكرها في النصوص القرآنية الخالدة، وقد جاءت تحذر المسيحيين والمسلمين من إجرام صادر عن دفائن النفس العنصرية التي أنتجت الصهيونية، والتي كان منها الاستعمار الصهيوني الاستيطاني الإحلالي لفلسطين وفي قلبها القدس ولأراضٍ عربية، وها هي جرائم الصهاينة الذين أحرق سلفهم المسيحيين على مواقد بالنار، تحرق البشر والشجر والحجر، وتزوّر التاريخ، وتدنّس المقدسات ولا تميّز بين عربي وآخر.

ولعل عنوان القدس الذي اختاره إخواننا لبطاقة الدعوة مع مناسبتي المولد والميلاد من أجل القول: إن القدس ترمز إلى فلسطين التي هي قضية العرب الكبرى، والقدس هي العنوان الجامع للمسيحيين والمسلمين منذ دخل الخليفة عمر بن الخطاب المدينة واستقبله البطريرك صفرينوس العام 636م. ومنذ ذلك التاريخ قامت علاقات الأخوة والمرابطة والعروبة والإيمان، وزيادة في التأكيد على العلاقات فقد أوكل الفاروق أمر خدمة كنيسة القيامة للوالي الأول الصحابي عبادة بن الصامت من قوم نسيبة بنت كعب المازنية من الخزرج ومفتاح كنيسة القيامة منذ ذلك التاريخ مع عائلة نسيبة المقدسية تفتح الكنيسة وتغلقها وتؤمن لها الرعاية والصيانة، ويوم حرر صلاح الدين الأيوبي".