عندما نتحدث عن جاهزية الشعب للولوج الى مرحلة نضالية جديدة فان هذه الجاهزية لا تعني الخوارق ولا المعجزات ولا الانفصال والقطيعة عن الواقع، بل ان هذه الجاهزية تعني رؤية الواقع والتعامل معه بجدية والتأثير في مفرداته الموضوعية لصالح حقنا ومشروعنا الوطني ولصالح الحضور والأمل وهذا هو جوهر الهبة الشعبية المباركة التي تعبر يومها الخمسين وهي اكثر عنفوانا وذكاء في التفاصيل وقدرة على استنتاج خطط العدو ومكائده وهواجسه، لاننا حين ننزل من علياء التنظير ومنظومات الكلام الفلسفية وأشباح واوهام التيارات والمصالح الانانية، فان هذا يعني عبقرية التفاصيل، أولم تعلمنا اجيال القدس عبقرية التفاصيل حين يفتت الشباب الصخرة الكبيرة الى حجارة صغيرة لان هذه الحجارة الصغيرة هي التي تصيب الهدف، ولان السكين الصغير الذي يخبئونه تحت جلودهم هو الذي يصيب الهدف، ولان المسافات بين اسطح البيوت هي التي تحقق الهدف في التملص من الاعتقال ولأن عدم الاعتقال الان افضل، وعدم الاستشهاد الان افضل والمطاولة ولو ليوم اضافي افضل.

مدد يا قدس مدد، يسألون عن سرك الباتع... فلينظروا ها هو سرك الذي يعيش معك في كل المراحل ويشكل طوق النجاة لحضورك العظيم سرك يكمن في حضورك في زمن الغياب، وقدرتك على ابتداع الفعل في زمن الانطفاء.

كنا نسأل انفسنا وكل واحد منا كان ينطوي على نفسه ويسأل: ماذا ستفعل القدس وقد حضروا لها مراسم موتها بأدق التفاصيل ؟

يا لجلالك وانت تحضرين بهية بما لا يضاهى، ومفاجئة مثل عبقرية التفاصيل طلقة الجيش الإسرائيلي بحجر فلسطيني مقدس وبطعنة سكين وبجرعة مدهشة من الغضب الساطع، بيوميات محفورة على وجه التاريخ لا تشبهها يوميات اخرى.

مدد يا قدس مدد، كل يوم جديد من ايامك هو بداية جديدة، وحين قالت القدس كلمتها صمت الجميع، واسرائيل صدمت حين اكتشفت اوهامها وصارت تجتهد في طرح الاسئلة، من هم داخل السور ومن هم خارج السور، ولكنهم مقدسيون اهل الأرض الأصليون واهل الحق المرابطون وأجيال فلسطين المقاومون، ولانهم في عمق الحالة وفي قلب الصراع فإن الصراع نفسه يهديهم الى ترتيب الأولويات والى سد الفراغ والى اشعال نارهم في زمن الصقيع.انها القدس واجيالها في كل فلسطين تنبثق من وجع الأيام ومن ضرورات الواقع ومن الفهم العميق لإدارة الصراع، اجيال القدس تراكم ولا تبدأ من الصفر تنقلب ضد المعادلة الظالمة ولكنها لا تنقلب على الذات، تحافظ على كل انجاز ولا تسكب قربتها بناء على الأوهام، تثق بذاتها ولا تجلد الذات، مملوءة بالإرادة وروح المبادرة ومشغولة بالتحضير للأيام المقبلة، مدد يا قدس مدد ولك السلام.