الولايات المتحدة الاميركية محكومة في العلاقة مع دولة التطهير العرقي الاسرائيلية بقيود استراتيجية متعددة الابعاد، لا تقوى أي إدارة على تجاوزها إلا في النطاق الشكلي، وبما لا يؤثر على الجوهر الاستراتيجي للعلاقة الثنائية. وبالتالي الادارات المتعاقبة في واشنطن، ايا كانت قراءتها للتطورات الجارية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، تبقى أسيرة الدفاع عن إسرائيل، والتساوق معها، وتحميل القيادة والشعب العربي الفلسطيني المسؤولية عن أية أعمال عنف، وقلب الحقائق رأسا على عقب.

في القراءة الاخيرة لوزير خارجية اميركا لآفاق التطور في العالم العربي، التي طرحها في معهد كارينغي للسلام الدولي، حدد كيري ركيزتي البناء والهدم للعلاقة مع الدول في منطقة الشرق الأوسط. وفي معالجته للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وضع الاسرائيليين في موقع البناء، والفلسطينيين في موقع الهدم. وهرب من التزامات الولايات المتحدة كراع أول لعملية السلام عن سابق تصميم وإصرار، والقى باللائمة على القيادة الفلسطينية، التي وفق ما جاء في رؤيته، ان الشعب "فقد" الثقة بـ "القيادة"، وفي نفس الوقت، دفع باسم سلام فياض، كنموذج ايجابي، وأكد على ذلك، بسعادته بالعمل معه. وأوحى، بأن "الخلل" في القيادة الفلسطينية، الأمر الذي يفرض "تغيير" الرأس القيادي!؟ وهو إمعان في تضليل الذات والرأي العام العالمي، والتهرب من وضع اليد على الأسباب الحقيقية للارهاب المنفلت من عقاله في الساحة الفلسطينية، الناجم عن الاحتلال الاسرائيلي.

مع ذلك، إذا ما وضع المرء، الرؤية الاميركية على طاولة الحوار والمناقشة، يبرز عدد من الاسئلة، منها: ألم يكن الدكتور سلام فياض رئيسا للحكومة الفلسطينية لستة اعوام خلت، لماذا لم تُنجح إدارة اوباما برنامجه؟ الم يقل كيري، انه سعد بالعمل معه، وكانت رؤيته (فياض) صائبة، لماذا لم تدعم خطته على الارض؟ ألم تزد دولة الاحتلال الاسرائيلية الاستيطان الاستعماري أثناء ولايته؟ ألم تضاعف من عمليات النهب والتهويد والمصادرة للاراضي؟ ألم تضاعف حكومات نتنياهو من عمليات تغيير معالم مدينة القدس الشرقية الديمغرافية والدينية؟ وألم ترفض تمكين حكومات فياض من الاستثمار في المناطق C؟ ماذا قدمت الادارة الاميركية وحكومة نتنياهو لنجاح تجربة رئيس الحكومة السابق؟ أم ان التلكؤ في دعمه، ناتج عن وجود الرئيس عباس؟ وألم تطرح الولايات المتحدة زمن الرئيس الراحل عرفات، ان المشكلة في شخصه، وانه من خلال تغييره بالرئيس عباس، ستتقدم العملية السياسية؟ اين التقدم في العملية السياسية بعد مضي عشرة اعوام كاملة على وجود الرئيس ابو مازن في سدة الرئاسة؟ وهل إذا تسلم فياض الرئاسة يمكن ان تحدث الانفراجة السياسية؟ كيف؟ وعلى اي اساس؟ وهل المشكلة في اسم وشخص الرئيس ام في السياسات الصائبة، ووضع اليد على جذر الصراع؟ وهل اذا جاء فياض ستقبل إسرائيل بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 67، واقامة الدولة الفلسطينية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين؟ أم المطلوب من فياض القبول بالخيار الاسرائيلي اي الحل الاقتصادي؟ وهل يستطيع رئيس الحكومة الأسبق إدارة الظهر لأهداف ومصالح الشعب؟ وهل يستطيع تفتيت وشطب منظمة التحرير، وبالتالي الأهداف الوطنية؟ وهل يقبل الشعب بذلك؟ ام ان الرهان على توافقه مع حركة حماس لتغطيته سياسيا، وإجراء عملية نفي للتاريخ والرواية الوطنية، وحصر المشروع بالدولة ذات الحدود المؤقتة؟ وهل يقبل الدكتور سلام بذلك، ويضع نفسه في مواجهة الشعب؟ أوليس الطرح الاميركي الجديد القديم، فيه إساءة للرجل وسجله السياسي؟ وألا يعني طرح اسمه بالشاكلة، التي تمت، وضعه منذ الآن في تناقض مع الحركة الوطنية، لا سيما وان الشعب وقواه الحية، يعتبرون اميركا قوة معادية وليست محايدة؟

اسئلة كثيرة تطرح نفسها على صانع القرار الاميركي وعلى سلام فياض، الذي تفرض الضرورة عليه، مطالبة اصدقائه الاميركيين بالكف عن الزج باسمه بطريقة جزافية واعتباطية بهدف تلميعه، مع ان نتائجها عكسية، وهو ما يسيء له، ويشوه سمعته ومكانته في الشارع الفلسطيني اكثر مما سبق.