ليس بالجديد أن يثار نقاش حول مفهوم مصطلح النسوية ومدى انطباقه على وصف وطبيعة مهام الحركة النسائية الفلسطينية وبرنامجها، فالمرأة الفلسطينية ومؤسساتها جزء عضوي من المركب الوطني التحرري كون الحركة النسائية ممثلة بأطرها الجماهيرية ومراكزها المتخصصة ولدت من رحم الحركة الوطنية الفلسطينية، واشتقت برنامجها الوطني النضالي من البرنامج الوطني التحرري العام للشعب الفلسطيني وتجسيد الثوابت على الأرض، ومكلفة من قبل ذات الأطر الوطنية بترجمة البرنامج الاجتماعي التحرري وتجسيده على صعيد القطاع النسوي

لا يمكن اتهام الحركة النسائية بمعاداة الدين، وليس من خلاف في مجتمعنا أصلاً حول الدين، وكل ما يثار في هذا المستوى افتعال مُغرِض، وهو لعمري تحريض على القتل، كما يثير شهية السلفيين المتربصين لرشق وجه المرأة بماء النار. الجدل الدائر في مجتمعنا كما في الدول العربية يدور دفاعاً عن الدين وسماحته، وضد استخدامه في تبرير قتل وإقصاء وتحجيم دور المرأة وعزلها عن حقوقها وواجباتها، وكذلك دفاعاً عن حقها في المشاركة بالعملية التنموية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والجدل يستهدف تسليط الضوء على الازدواجية في التعامل مع النص المقدس، واستخدامه للانتقاص من حقوق المرأة وأهليتها.

قانون الأحوال الشخصية الذي وضعه الائتلاف المجتمعي المشكل من الحركة النسائية بأطرها الجماهيرية والمراكز الحقوقية والمجتمعية ذات العلاقة ينطلق من ثقافتنا الوطنية والاجتماعية الأصيلة، وينسجم مع المرجعيات المتبناة من الهيئات الجامعة، كما ينطلق من سماحة الأديان ومقاصدها العادلة، ومن وثيقة الاستقلال التي أجمعت عليها القوى السياسية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ومن نظامنا الأساسي المقر من المجلس التشريعي، ومن انضمام دولة فلسطين والتزامها بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي تستظل بسقوف الشرعية الدولية وعالمية حقوق الإنسان

من جانب آخر، لا يمكن وضع المرأة الفلسطينية في خندق معاداة الرجل، فالمرأة الفلسطينية مع الرجل في خندق النضال الوطني والاجتماعي. وفي هذا، تضع حجر الأساس لمفهوم النسوية الفلسطينية المنفرد الذي يعبِّر عن خصوصية قضيتها الوطنية وإشكالية وضعها الاجتماعي. وليس سراً أن المسيرة النضالية للمرأة الفلسطينية، والتي تشكل مصدر اعتزاز وفخر لها ولشعبها، قد أعاقتها الكوابح الاجتماعية والبنية التقليدية، وكان عليها حتى تتمكن من تفعيل مشاركتها الوطنية أن تضمِّن برنامجها العمل على القضاء على التمييز الممارس ضدها وعلى القمع الاجتماعي

المرأة الفلسطينية التي تعاني من ثنائية القمع الوطني والاجتماعي، لا بد لها من استمرار كشف الغطاء عن حالة الازدواجية التي تسيطر على موقف الرجل الثوري، بين النظرية وممارستها من جهة، كما تتجلى في ازدواجيته، بين عمله من أجل التغيير السياسي والتحرر من القمع الوطني، في الوقت الذي لا يتردد في قمع المرأة ووضع الحدود الفاصلة أمام تقدمها وتقطير حقوقها. وعليه، فإن المدرسة النسوية الفلسطينية هي نتاج الواقع المحلي الأصيل، ومن إنتاج وإخراج المرأة الفلسطينية المناضلة الغارقة، من رأسها حتى أخمص قدميها في قضيتها وهموم شعبها، وفي دفع قطاع المرأة إلى الأمام للمشاركة في بناء الوطن الحر والسيد الذي يصون العدالة ويحفظ كرامة جميع أبنائه وبناته

المرأة الفلسطينية تفخر بتطويرها مفهوم النسوية الفلسطينية، حيث طرحت مفهوماً واسعاً وشاملاً للنسوية، يرفع شعار القضاء على كل أشكال القمع والتمييز بمختلف أشكاله ومصادره، سواء القمع القومي من الاحتلال، أو القمع القائم على التمييز بسبب الجنس

وبكلمات أخرى، الحركة النسائية الفلسطينية عملت عقوداً على وضع نصوص قانون الأحوال الشخصية، ليخرج متناسباً مع واقع واحتياجات المرأة الفلسطينية ويراعي مستوى تطورها ومشاركتها. وكانت حريصة على تماسك وتوازن القانون ومقاربته لمصالح جميع الأطراف ذات المصلحة التي تتطلع إليه، وهي مطمئنة إلى أنه لن يحمل إلا ملامحها الأصيلة، فلم يكن أحد خياراتها أن يحمل القانون المنشود العيون الزرقاء أو الشعر الأشقر، ولن يكون بمقدور أحد أن يزاود على المرأة الفلسطينية، حارسة نار الثورة، والمشاركة في صنعها وبقائها.