بقلم: هيفاء الاطرش
في ظل مرور القضية الفلسطينية بأصعب حالاتها، وافتقادها للبعد العربي والإسلامي والدعم الدولي، وتعاظم الإجراءات التعسفية للاحتلال الإسرائيلي في الضفة والقطاع، وفي ظل وجود المتغيرات السياسية الجديدة التي ترسم تاريخاً جديداً رديئاً للمنطقة العربية والشرق الأوسط، والانحياز الدولي والإقليمي الواضح والجريء بوقاحة ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والأقسى هو إيغال ذوي القربى في انقلابهم في غزة وانقسامهم، والتمادي في انسلاخهم عن الهم الوطني بشكلٍ واضح وبالتفرد القائم على المصلحة الحزبية بالتفاوض مع الإسرائيليين لإقامة دولة مسخ تقضي على حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، والتمادي في التخطيط الأخطر للقضاء على قائمة الشعب الفلسطيني في الوطن، وآخرها افتعال تفجير السيارات في غزة على خلفية ابتداع وجود داعشي في غزة، تمهيداً لمسلسل تفجيرات قادم في الضفة الغربية ، تحت مسمى الإرهاب الإسلامي المتطرف، بغية إنهاء التمثيل الشرعي لمنظمة التحرير الفلسطينية وهدم ركائز السلطة الوطنية الفلسطينية وأركان ومؤسسات الدولة الفلسطينية الفتية ، وبغية رسم صورة معتدلة لحركة حماس ليتقبلها المجتمع الدولي كبديل عن منظمة التحرير، حماس التي تنهي تاريخها في الشارع الفلسطيني في الوطن والشتات، والذي يفترض أن يخدم الفلسطينيين أنفسهم لا أن يتبوتق في الصالح الإسرائيلي المعلن عنه عبر الناطقين السياسيين والإعلاميين لديها، وعبر كواليس التفاوض السري بينها وبين إسرائيل، وبالتالي تقديم القضية الفلسطينية جثة هامدة على طبق من فضة للعدو الإسرائيلي.
في ظل كل هذه الظروف وتداخلات القضايا الوطنية والعربية والإقليمية والدولية، ومنذ هبوب رياح ربيعٍ لم يثمر إلا عن دمارٍ وموت، يبقى اللاجئون الفلسطينيون المنتشرون في دول الطوق والشتات هم الضحية المستباحة، بشكل متعمد باطناً وغير مقصود ظاهراً، حيث تم استثمار الأوضاع العربية وخاصة في سوريا وبعدها في لبنان، من أجل تحقيق ما يمكن تحقيقه، لحل قضية اللاجئين على طريقة أعداء هذه القضية، والتي تجيد انتهاك حقوق الإنسان بقوالب عدة.
وتبقى الأسئلة المطروحة وغير القابلة للإجابة إلا بغموض، لماذا يـُدفـَع اللاجئ الفلسطيني بالإكراه عن التخلي عن هويته وكينونته الفلسطينية وبشكلٍ عملي ، والمخاطرة بحياته وعائلته للهروب إلى أوروبا عبر البحر والغابات التي تنهش أحلامه بالأمان، قبل جسده المنهك في غربة قاسية، يصفها جميع اللاجئين بالأصعب من غربة نكبة فلسطين ، حيث تم تشتيت العائلة الواحدة المؤلفة من أب وأم وأولاد بين أصقاع الأرض بينما وبمقارنة مريرة يتذكرون أن آباءهم وأجدادهم قد قصدوا دول جوار فلسطين عام 1948 بجماعات عائلية ومناطقية كلٌّ حسب قريته ومدينته وعشيرته، على عكس نكبة مخيمات سوريا عام 2012.
وكذلك تمنع جميع دول الجوار دخول فلسطينيي سوريا إليها وإن دخلوا منعت حركتهم، بتضييق من شأنه تعريض اللاجئين للخطر، وهذا يتنافى مع القوانين والأعراف الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين خلال الحروب.
وتزداد أوضاعهم سوءاً مع مرور أول شهرٍ على تقليص خدماتها بسبب العجز المالي للأونروا وتوقف مساعدة الدول المانحة لها في الأقاليم الخمسة في لبنان وسوريا والأردن والضفة والقطاع لجميع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين، وأسوؤها في سوريا وقطاع غزة ولبنان، كذلك انقطاع المساعدة المالية لبدل الإيواء التي كانت تقدم من الأونروا للاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان ، و شلل نشاط الجمعيات الإغاثية بسبب نقص التمويل الحاد من الدول المانحة والمنظمات الدولية المعروفة ، في أواخر عام 2014 حتى شهر تموز2015، ويبدو أن انقطاع المساعدات الإغاثية والاستشفائية وغيرها مستمر، من أجل التضييق على اللاجئين، كما يعترف به أيضاً عدد من العاملين في هذه الجمعيات دون الإفصاح عن أسمائهم .ومن أجل إنهائها عبر التهجير الجماعي وضرب تكتل اللاجئين الفلسطينيين الذي كان يعتبر حامياً للمخيمات وصمام أمان لحياة قضية اللاجئين، ويشكل عدم الاستقرار للاجئ الفلسطيني من سوريا داخلها وخارجها العامل المـُلـِح في ازدياد اليأس لديهم من حل قضيتهم ضمن ظروف قاسية للغاية، وتراكم انغلاق أبواب الحل لديهم في كافة المجالات وعلى الصعيد الوطني السياسي في الوطن الذي كانوا يأملون انفراجه ثم انعكاسه إيجاباً عليهم.
وكذلك انسداد الأفق في حل قضيتهم المترافقة مع صعوبة الحل في سوريا، حيث لا حسم لأحد طرفي الصراع في ظل التدخل الدولي الهائل في سوريا، وحيث الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية هناك، التي تلقي بظلها وبقسوة على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
فها هو حصار مخيم اليرموك قد بلغ 770 يوماً، وانقطاع التيار الكهربائي يستمر لليوم 840 يوماً، وانقطاع مياه الشرب لليوم 330 يوماً، وإن سُمح بدخول الأغذية إليه في شهر رمضان، لكن الأوضاع لازالت متردية وبحاجة إلى حلول عاجلة.
ولا يزال مخيم خان الشيح يعاني حصاراً صعباً باستهداف طريق زاكية- خان الشيح، المنفذ والممر الوحيد للمخيم، كما يقع للآن تحت القصف والقنص مما يشكل حصاراً مطبقاً على سكانه.
وكذلك استمرار تفريغ مخيمي السبينة والحسينية لدواعي أمنية، أما مخيم درعا المأساوي لا يزال من حيث انقطاع المياه لليوم 457 في المساحة الباقية التي تبلغ 30 % حيث تم تدمير 70 % منه.
أما باقي المخيمات فلا تزال تعاني أزمة اقتصادية خانقة جداً، تحت تأثير تداعيات الحرب في سوريا والأزمات الناتجة عنها، من غلاء فاحش في الأسعار في ظل نقص الأدوية والمنتجات الغذائية وانقطاع الكهرباء والمياه، حيث عانت مدينة دمشق في شهر حزيران الماضي انقطاعاً للمياه بشكل متكرر، بسبب سيطرة المعارضة المسلحة على مراكز التحكم بالمياه، ويذكر أن أزمة الكهرباء مستمرة منذ أكثر من سبعة اشهر.
وتأخر الإفراج عن المعتقلين والمعتقلات الفلسطينيين من سجون الحكومة السورية، رغم الوعودات التي أعطتها لوفد منظمة التحرير الفلسطينية بإطلاق سراح المعتقلين غير المتورطين بقضايا أمنية تستهدف أمن البلاد، حيث لايزال في المعتقلات 925 فلسطينيا من ضمنهم 50 لاجئة كما وثقت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا.
أما من وصل أوروبا من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا خلال الأربع سنوات الأخيرة، ليزداد تمزق النسيج الاجتماعي بين العائلات، فهم أكثر من 36000 فلسطيني، أي ما يقارب ثلث عددهم في سوريا قبل الأزمة.
ليست قضية اللاجئين الفلسطينيين فحسب بل القضية الفلسطينية بكافة تفاصيلها محشورة في عنق زجاجة يطال عنان السماء، ولا شك أن انفراجا يلوح هنا أو هناك سيفتح حلولاً قابلة للتطبيق ، إن عادت الإرادات العربية والدولية إلى الخط المفترض الوقوف عنده، وإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها