نشر روبرت كابلان في دورية "فورين بوليسي" الشهيرة مقالا قبل عشرة ايام، نادى فيه بعودة سيطرة الامبريالية الاميركية على الدول العربية. ورغم ان المسؤول الاميركي السابق ( عمل مستشارا في البنتاغون بعد تولي اوباما مهامه رئيسا لاميركا عام 2009) غير عنوان مقالته تحت ضغط النقد، الذي وجه له، إلا ان جوهر مقالته بقي كما هو. ولم تسعفه التبريرات والتحويرات لما نادى به في مقالته.
تناسى السيد كابلان، ان الولايات المتحدة لم تتوقف لحظة عن مواصلة سياساتها الاستعمارية بكافة الوسائل والسبل القديمة والجديدة. ومنذ تولت قيادة المعسكر الرأسمالي في اعقاب الحرب العالمية الثانية 1945، وهي تمارس سياستها الاستعمارية بالوسائل الناعمة. ولكن عندما استدعت الضرورة استخدام القوة العسكرية واحتلال الدول وخلع زعمائها، لم تتورع عن ذلك، كما فعلت في بنما ونيكاراغوا واندونيسيا وافغانستان والعراق والسودان وعموم المنطقة العربية. بالتالي دعوة كابلان، المجند في الجيش الاسرائيلي، ونصير دولة الاحتلال والعدوان، لا تحمل إضافة لما قامت عليه ركائز السياسة الاميركية تاريخيا.
لكن على جهل كابلان، الذي سعت منابر الاعلام الصهيونية النفخ في مكانته، ووصفه بـ"المفكر" و"الاعلامي الكبير"، فإن دعوته للولايات المتحدة للعودة لاستخدام شكل الاستعمار القديم للدول العربية، فيها تناغم مع دعوات اعضاء حزب الشاي الجمهوريين والايباك، الذين حرضوا ادارة بوش الابن لشن الحرب على العراق وافغانستان، وما زالت جيوش اميركا، رغم الاعلان عن الانسحاب من البلدين، عالقة في وحولهما تحت عناوين ومسميات عديدة (التدريب والحماية والمستشارين .. إلخ).
اضف الى ان دعوته، ليست من بنات افكاره ولا "عبقريته"، انما هي رغبة ومصلحة قوى اليمين المتطرفة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، ومن مشاريع ومخططات انصار إسرائيل. لان إسرائيل، هي صاحبة المصلحة الاولى في العودة الاستعمارية الاميركية للمنطقة، وذلك كي تتهرب من استحقاقات التسوية السياسية، ولقطع الطريق على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، ولخلط الاوراق في المنطقة، وايضا لتنصيبها زعيمة على الامارات والدويلات الدينية والطائفية والمذهبية والاثنية، التي ستنشئها اميركا بعد تمزيقها لوحدة الدول والشعوب العربية.
لكن كابلان ومن ورائه انصار إسرائيل والحرب، ايضا تجاهلوا، ان الولايات المتحدة وبغض النظر عن الحزب الحاكم، واي كان خيارها وشكل مواصلة إستعمارها وهيمنتها على دول المنطقة، وانطلاقا من الاعتبار الاساس الناظم لسياساتها، اي مصالحها الحيوية في اي بقعة في العالم، فانها معنية باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67. كما ان احتلال اميركا للمنطقة سيعمق العداء لها، وسيضعف من دورها، ويهدد مصالحها الحيوية في المنطقة، ويضاعف من حجم خسائرها البشرية والعسكرية والاقتصادية، ويدفع دورها ومكانتها العالمية للوراء بسرعة اكبر مما يجري حاليا، ويحد من تأثيرها في السياسة الدولية.
اضف الى ان كابلان لو دقق فيما آلت له اميركا في اعقاب احتلالها للعراق وافعانستان، والازمة الاقتصادية الكارثية، التي اصابتها في الربع الاخير من 2008، ودفعت ادارة اوباما منذ توليها مهامها 2009 للعمل على انسحاب الجزء الاكبر من قواتها المحتلة للبلدين، لما فكر في اجترار سياسة فاشلة بامتياز. فهل يتعظ كابلان ويعيد النظر في مناداته لاحتلال الارض العربية من قبل اميركا؟
كابلان ينادي بالاستعمار: بقلم عمر حلمي الغول
09-06-2015
مشاهدة: 676
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها