الذين يشعرون بالصدمة من تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة على هذا النحو ليس معهم حق في صدمتهم، ذلك ان المقدمات ما كانت لتقود إلا لهكذا نتائج، فمنذ سنوات ونحن نراقب ونتابع ونواجه انحدار المجتمع الإسرائيلي الى مزيد من التطرف، وعلامة هذا التطرف هي صعود أحزاب اليمين العلماني والديني، وجنون الاستيطان، والحروب المتكررة، ثلاث حروب ضد قطاع غزة في ست سنوات، وموجة من التحرش الإجرامي محمي بارهاب الدولة ضد تفاصيل الحياة الفلسطينية، وضد المقدسات، وعلى صعيد القوانين، وتحول مؤسسات القضاء الإسرائيلي الى حامية لإرهاب الدولة وإرهاب الجماعات وإرهاب الأفراد، وأن هذا الانحدار اليميني في اسرائيل يمارس عنصريته حتى ضد مواطني الدولة وخاصة الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وضد يهود الفلاشا الذين قذفت عبوات الدم التي تبرعوا بها قبل سنوات في حاوية القمامة، ويلاحقون اليوم بالعنف المكشوف، وهذه طبيعة اسرائيل الأصلية، القائمة على الأساطير والعنصرية وعربدة القوة والإرهاب المنفلت، واعتاد الغرب بقيادة أميركا ان يلف كل ذلك في ورقة سلوفان ملونة ويصدرها للعالم بانها الديمقراطية النادرة في الشرق الأوسط.
ولكن من جهة اخرى: هل يوجد في المنطقة كلها فلسطينيا وعربيا واقليميا ما يمكن ان ينتج شيئا غير ذلك، هل القوى المعتدلة في اسرائيل – ان كان هناك اعتدال- قادرة على ان تطرح نفسها كبديل وسط هذا الركام والحرائق والخراب الكبير في المنطقة الذي ما زال يتوسع الى آفاق مستحيلة.
من أين تأتي الصدمة وما هي مبررات الدهشة؟ والسؤال مصحوب الى كيمياء العلاقات الفلسطينية اولا، ومن ثم الى كيمياء العلاقات العربية وخاصة الجزء المتعلق بتطورات القضية الفلسطينية، الى اين وصلت المصالحة وما هي الآفاق؟ ان مصطلح المصالحة اصبح ينتمي الى الكوميديا السوداء، فقد اصبح المصطلح نفسه مهانا ومذبوحا من الوريد الى الوريد، وأصبحت نوعا من تقطيع الوقت، بل اصبحت نوعا من السياحة العجيبة تنقلنا من مخيم الشاطئ الى القاهرة ومكة والدوحة وصنعاء والسنغال وماليزيا، وآخر المحطات بيروت نفسها، بيروت الحزينة المنقسمة حتى الموت التي لا يوجد فيها رئيس للدولة، فانها تأخذ حظها من سياحة المصالحة ويصل بنا الأمر الى ان نذهب الى جزر الهونولولو من اجل عيون المصالحة.
يجب ان نخرج من هذا الإيقاع الرتيب الذي لا يؤدي الى اي نتيجة، ونذهب الى أولوياتنا الوطنية وتعزيز مكاسبنا التي حصلنا عليها بما يشبه الإعجاز والتي لا تقدر بثمن، واذا ظلت حماس تتمترس في خندق الانقسام، يساعدها على ذلك بعض الدول من الأشقاء عربا ومسلمين، فهل نسلم بذلك ولا نبتدع طريقة لتجديد شرعية اطاراتنا عبر انتخابات؟ لقد فرضت علينا حماس من خلال التهديد بقطع الرهينة وهو قطاع غزة ما لم نكن نتوقع، واغرقتنا بلغة تنتمي الى جنس اللامعقول مثل مصطلح التفاهم، فاصبح كل واحد منا إذا عطس تصرخ حماس في وجهه وتقول له: انت عطست دون التفاهم، انت شكلت لجنة لصياغة الدستور الفلسطيني دون تفاهم، الوزير الى وزارته في الصباح دون تفاهم، يا لهذه اللعنة التي اسمها التفاهم، لابد من تغيير الإيقاع وهذا يحتاج الى شجاعة التفكير، وشجاعة الخروج من قاموس الانقسام وشجاعة المخاطرة المحسوبة، هذا ما يجب ان نفعله وليس إعلان الدهشة من نجاح نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية متطرفة، فالاحتلال كله من أوله لآخره هو ذروة التطرف.