نحن فلسطينيا في الزمن الصعب، لكنه ليس الزمن الأصعب، وإذا نظرنا إلى المنطقة من حولنا فعلينا أن نزداد ثقة بأنفسنا لأننا محافظون على مشروعنا الوطني، مشروع الحرية والاستقلال، ومشروعنا له موقع متقدم على أجندة العالم، ونحن متعاقدون مع المستقبل ولذلك فإن الأمل يتضاعف لدينا، بينما عدونا ممثلا بالاحتلال ورغم كل جعجعته البالية، ورغم كل قعقعة سلاحه، وقطعان مستوطنيه فإنه لا يجد سوى الخوف للهرب اليه من المستقبل، وهذا هو السبب الوحيد والجوهري الذي منح نتنياهو ولاية ثالثة في إسرائيل وليس أي شيء آخر، وعلينا في هذه المرحلة أن ننظر الى الحقائق كما هي دون استهانة ودون تضخيم، الخوف هو القاعدة الرئيسية التي يتمترس خلفها الاحتلال الإسرائيلي، الخوف من تطورات ما يجري في المنطقة، والخوف من إيران وبرنامجها النووي واتفاقها مع أميركا سواء وقع الاتفاق الآن أو تأخر لبعض الوقت، والخوف من صعود الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، والخوف من معادلات جديدة تحكم العلاقات الدولية، صحيح ان المحكوم بمعادلة الخوف يرتكب حماقات مجنونة، لكن لولا تراكم عناصر الضعف الموضوعية لدى الاحتلال لما تراكم عنده الخوف إلى العزلة، والجيتو، وإغلاق كل الطرق.
نحن في الزمن الصعب، لكن ليس الأصعب، وحتى استعصاء العلاقات مع حماس ليس كارثيا إلى هذا الحد، فأعظم الثورات في التاريخ الإنساني واجهت ما هو أخطر من ذلك ألف مرة، كانت هانوي في فيتنام عاصمة الثورة العالمية، وكانت سايجون عاصمة الاستسلام للعدو ولثقافته وموبقاته، وكانت الجزائر رائدة الثورات والكفاح التحرري الوطني في العالم بينما قرى بأكملها رحلت مع جنود الاستيطان الفرنسي حين غادر الجزائر، وكان قطعان المستوطنين الإسرائليين وزعماؤهم يقولون إن مستوطنة "يميت" في العريش هي في مقام تل ابيب، وكانت مستوطنات غزة عند مستوطنيها أهم من مدينة هرتسليا ثم جاءت الحافلات الكبيرة وأخذتهم من حيث أتوا، وتحولت اللاءات الى مباحثات بلا حصانة ولا سياج.
لا أقول ذلك من قبيل رفع المعنويات، وإنما كنوع من التذكير لحقائق الصراع، بل أكثر من ذلك فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي راهنت ذات يوم على أن طوابير العمال الفلسطينيين بمئات الآلاف في المصانع والمزارع والورش الإسرائيلية هي تعبير عن الاستسلام الكامل للقمة العيش ورغيف الخبز، وإذا بأعظم حدث تاريخي فريد من نوعه وهو انتفاضة الحجارة تنبثق من وسط مئات الآلاف في طوابير العمال، وراهن الاسرائيليون في مراكز القرار السياسي على أن قبول الفلسطينيين بانتخابات بلدية تحت سقف سلطة الاحتلال بالكامل في عام 1976 ستنتج هياكل موالية للاحتلال، فخاب ظنه الى حد الكارثة، وجاء رؤساء بلديات أخطر الإحتلال نفسه خوفا من عداوتهم له ان تقطع سيقانهم أو تغتالهم أو تبعدهم تحت جناح الظلام خارج فلسطين كلها.
وكل معركة في عز أوارها تعيد صياغة الشعب أو الأمة من جديد، وهذه هي حال شعبنا ليس في فلسطين فقط بل حتى في الشتات البعيد، لكن ذلك لا يحدث بلا ثمن ومن بين حالات هذا الثمن، سقوط الساقطين، وانكشاف المنافقين والمرجفين، ومغامرات المرضى نفسيا ووطنيا وأخلاقيا، وهل هناك أبشع من الانقسام ورجالاته والمطبلين له والمتكيفين مع شذوذه؟
لنثق بأنفسنا، لنتشبث بما أنجزناه وهو كبير، لنواجه من يحرضون علينا، يحرضون اسرائيل ضدنا، يقولون لإسرائيل ضدنا هؤلاء الفلسطينيون ذاهبون أكثر ألف مرة مما تعتقدون، احذروهم، وضيقوا عليهم الخناق، لا نريد سوى حقوقنا بحدها الأدنى الذي اقرته قرارات الشرعية الدولية، وارتضاه العالم كله، ونحن في الطريق الصحيح كذلك، لكن تحقيق الحقوق ليس نزهة جميلة، بل هو الصبر على المكاره، والثقة بالنفس، واجتراح المبادرات الجديدة، وتحفيز انفسنا على ما هو اكثر فائدة، وليس صمت الحملان أو زعيق الغربان، وتحيا فلسطين.