رحم الله أبا القاسم، الذي قضى بعد مكابدة طويلة مع المرض. هو المناضل الفتحاوي الذي أمضى حياته في مواكبة الحلم الفلسطيني، حتى أعياه زمن الكوابيس. بدأ حياته واحداً من نشطاء الحركة الطلابية في مصر، يافعاً في ظلال الهرم الفلسطيني «أبو الهول»، يتنسم خطاه ويرضع من فكر الثورة ومن حماسة «فتح» الرائدة. كانت مصر هي مهوى فؤاده، لأنها ومثلما يتأسس في قناعات القوميين والوطنيين الإقليم القاعدة، الذي ينام ريح العرب إن نام، ويقوم ريحهم إن قام. تدرج أبو القاسم في المراتب التنظيمية، ولما وصل الى المرتبة القيادية الأولى في إقليم مصر، كنا دخلنا في مرحلة خصومة سياسية مع مصر، بعد ابرام اتفاق «كامب ديفيد». كان على «فتح» من موقع المسؤولية، الاستمرار في علاقاتها مع الشقيقة مصر في الشؤون التفصيلية للناس، وفي القضايا الأساس، التي استوجبت علاقات مع مؤسسات الدولة. فلا يمكن لأية خصومة أن تشطب الوعي والمعطيات على الأرض، لأن حجم مصر أكبر من كل القياسات. في ذلك السياق كان أبو القاسم جندياً مجهولا، ينزوي بعيداً عن كاميرات التلفزة، ويؤدي واجبه مناضلاً فتحاوياً ملتزما. واذكر في المؤتمر العام الرابع لحركة «فتح» أن الرمز الشهيد أبو عمار، كان يريد للحركة إنصاف جنود مجهولين ليسوا حاضرين في مراكز التواجد الكثيف لأعضاء الحركة وأعضاء المؤتمر. خرج أبو عمار لبعض الوقت ولسبب بسيط، لكي يقتنص فرصة للإدلاء بتصريح، فتحدث عن هذه النقطة، وكان المثال الذي طرحه، هو زهدي القدرة، ولم يكن «الختيار» مخطئاً!
بسبب جهده المميز، تسلم الراحل أبو القاسم، مقاليد العمل الدبلوماسي في مصر وأصبح سفيراً لفلسطين. عُرف عنه الترحاب الشديد بزائريه من المناضلين، وبتحمله الإعجازي للناس، وللمتبرمين من طلاب الحاجات التي لا يستطيع أي سفير، في ظروف معينة، تلبيتها في البلد الذي يُعتمد فيه. واحتفظ الرجل بحرارة روحه ووفائه ودماثة خلقه وغرامه الفتحاوي. كان عرفاتياً مثل العرفاتيين بالمعنى الديغولي، أي بمعنى الانضباط للقائد الرمز في مرحلة التحرر. وبعد انتهاء مهمته وعودته الى الوطن، كان جاهزاً لتحمل أية مسؤولية. وكُلف في المرحلة الأخيرة من عمله، بمهمة محافظ رفح. وعلى الرغم من جدارته في التواصل مع الناس، وتجربته الغنية في العمل الجماهيري، إلا أن المرض داهمه وأثقل عليه. كنا نرغب في زيارته باستمرار، لكنه لم يحبذ أن يراه اصدقاؤه ومحبوه وهو في حال الضعف البدني. لقد عاش شامخاً قوياً بشموخ حركة النضال الوطني وبشموخ «فتح» التي أحب وأمضى حياته فيها. رحم الله زهدي القدرة واسكنه فسيح الجنان وإنا لله وإنا اليه راجعون.