ونحن على أبواب انتخابات الرئاسة الأميركية التي انطلقت مبكرًا وبحماس هذه المرة والتي وبدون شك تتجسد فيها الديمقراطية الانتخابية من حيث النزاهة إلا أنها ومع ذلك ومنذ ستة عقود تحولت إلى مجرد مسرحية سخيفة مكررة ومملة على الرغم من أنها في الظاهر صراع ما بين حزبين أميركيين الجمهوري والديمقراطي إلا أنها في الباطن تكرار لانتخاب رئيس من نفس الحزب الذي يحكم أميركا فعليًا وهو الحزب الصهيوني الذي يدير كافة شؤونه لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية والمعروفة باسم إيباك ولكن وللمصداقية أقول بأن صهينة الانتخابات بدأت منذ ما بعد حرب 1967 وهي السنة التي تم فيها توظيف الكيان الصهيوني رسميًا حارسًا على أملاك أميركا ومصالحها في المنطقة وذلك بعد الانتصار الذي حققه الكيان في حرب تلك السنة المشؤومة والتي أطلقنا عليها اسم نكسة.

ما نقوله لم يعد سرًا على الرغم من كل المحاولات اليائسة والفاشلة لإثبات عدم صحة ذلك وليس لنا أدلة على ذلك هو ما نلمسه من صحوة الضمير التي تظهر فجأة و بوضوح على معظم رؤساء أميركا ولكن بعد خروجهم من البيت الأبيض وكأنهم تحرروا من سجن تابع للحركة الصهيونية التي صارت تتحكم بمعظم قرارات الإدارة الأميركية وخصوصًا المتعلقة بالسياسة الخارجية التي وضع أسسها في سنة 1973 الصهيوني اليهودي الألماني هنري كيسنجر بعد أن اعتلى عرش السياسة الخارجية في تلك السنة خدمةً للمشروع الصهيوني وهي المستمرة على هذا النهج وإلى يومنا هذا بضمان الحرص على اختيار وزراء خارجية أميركا إما صهاينة يهود أو صهاينة مسيحيين وأخيرهم وليس آخرهم الصهيوني بلينكن الذي وقف إلى جانب نتنياهو في مؤتمر صحفي حول حرب الإبادة في غزة ليقول أنه جاء ليتحدث بصفته اليهودية وليس الأميركية.

إلى ما سبق نضيف سياسة الابتزاز التي يمارسها رئيس وزراء الكيان الصهيوني على ساكن البيت الأبيض والتي تجلت في عهد نتنياهو الأطول في منصب رئاسة الحكومة في تاريخ الكيان حيث لم يتوانى لحظة في تحديه العلني لرئيس أميركا وفي عقر داره من خلال تحريكه للمشرعين الأميركان من أعضاء الكونغرس كحجارة شطرنج ولسنا هنا بصدد التذكير بما حدث في زيارات نتنياهو المتكررة للكونغرس والتي تتوجت في زيارته الأخيرة التي تعمد فيها إظهار سيطرته على الكونغرس بشقيه الشيوخ والنواب بوقوفهم مصفقين بعد كل دقيقة من خطابه المسموم وذلك على الرغم من ظهور بوادر تمرد على هذه العلاقة المهينة لأقوى دولة في العالم وفي العلن وذلك من قبل بعض الأعضاء في الكونغرس ومن ضمنهم كانت هذه المرة المرشحة الرئاسية كمالا هاريس التي رفضت حضور الخطاب وهي في اعتقادي جرأة غير مسبوقة من قبل أي من المرشحين للرئاسة الأميركية.

وقد يكون هذا التمرد نذير خير مع أنه وللأسف ما زال تمردًا خجولاً ولم يرق بعد إلى حد تحرير الكونغرس من براثن الصهيونية التزامًا بمباديء وبنود الدستور الأميركي التي أقسم المشرعون على حمايته وبولائهم لأميركا وليس لإسرائيل كما هو أيضًا حال الرئيس بايدن الذي وبدعمه الكامل لرئيس وزراء الكيان الصهيوني في حرب إبادته على الشعب الفلسطيني ولاحقًا اللبناني يتجاهل بل ويضرب بعرض الحائط الدستور الأميركي الذي تم استنساخ ميثاق الأمم المتحدة منه.

ليندسي غراهام على سبيل المثال لا الحصر وهو عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ساوث كارولاينا وفي أوج الإعصار الذي يضرب ولايته نسمعه يصرخ مطالبًا الشعب الأميركي بمد يد العون لإسرائيل بدلاً من أن يطالبهم بفعل ذلك من أجل سكان ولايته التي تسبب الإعصار بتشريدهم وحرمانهم من كل وسائل العيش من وقود وماء وشبكة اتصالات، والذي لا تفسير له غير أن ولاء هذا العضو كما هو ولاء المئات من أقرانه المشرعين لإسرائيل وليس لأميركا وشعبها وهو الأمر الذي انعكس على حرمان الأميركان من ثرواتهم لدعم الكيان الصهيوني إضافة إلى مصادرة حقوقهم الدستورية بارغامهم على إعلان الولاء للكيان الصهيوني العنصري وعدم مقاطعة أو انتقاد ما يرتكبه من جرائم بحق الفلسطينيين وباقي شعوب المنطقة.

ما سبق يشير إلى أن الانتخابات الأميركية على الرغم من أنها ديمقراطية لا يشوبها شائبة إلا أنها وللأسف في روحها عكس ذلك تمامًا كونها أصبحت ممرًا إجباريًا للناخب الأميركي ليختار ما بين السيء والأسوأ بعد أن أصبح البرنامج الانتخابي الرئاسي يتمحور حول دعم الكيان الصهيوني.

وعلى سبيل المثال الرئيس ترمب وهب الأرض الفلسطينية للكيان الصهوني من خلال صفقة العصر بينما الرئيس بايدن شارك في ذبح الشعب الفلسطيني وتدمير بنيته التحتية بحرب إبادة وتطهير عرقي بالمال والعتاد والغطاء السياسي والديبلوماسي ولكن بتنفيذ صهيوني وحشي وغير إنساني وغير مسبوق لأي صراع في التاريخ ولا أعتقد أن هناك ضرورة للخوض في تفاصيل ذلك كونه ينقل مباشرة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وعبر الأقمار الصناعية.

ترامب يقول أنه في حال نجاحه في الانتخابات سوف يهدي إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال المزيد من الأراضي العربية وليس الفلسطينية فقط وبالمقابل بايدن يهدي نتنياهو آخر شهر من رئاسته ليكمل فيه حرب إبادته وتطهيره العرقي بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني بعد أن وفر له كل ما يلزم للشروع بذلك ومنذ الثامن من أكتوبر سنة 2023 إضافة إلى أنه وظف نفسه وإدارته خدمة لهذا النتن ياهو وسخر له قدرات بلاده على الرغم من كل الإهانات التي يتلقاها بايدن كشخص في كل يوم من قبل نتنياهو وعلى رأسها ما صرح به ترمب قبل أيام من أن نتنياهو أخبره بأنه لا يستمع لبايدن.

ما سبق يفسر بأن الرئيس بايدن مرغم على ما يفعله ولكن هذا لا يبرئه من أنه مجرم حرب بامتياز وكذاب ولا يصلح أن يقود قطيع من الغنم لا أن يكون رئيس للشعب الأميركي ولكن هناك بعض من الأمل في كامالا هاريس علها بنجاحها تؤسس لبداية تغيير بعد أن وعدت بأنها لن تصمت وهذا أضعف الإيمان.

كل ماذكرته آنفًا يقودني إلى ما يعنينا كفلسطينيين وهواننا في مواجهة عدو صهيو- أميركي مجرم ولا بد من التعامل مع هذا العدو بما يسمح لنا بالبقاء حتى نتمكن في يوم قادم من تجسيد مشروعنا الوطني وبناء دولتنا المستقلة وهنا يحضرني ما طالب به سيادة الرئيس محمود عباس من على منبر المنظمة الأممية لأجل أن يقدموا الحماية الدولية لشعبنا الذي يعاني من الاحتلال الصهيوني وكان محقًا وواقعيًا كونه المسؤول عن أمن وأمان شعبه أمام الله وفي هذا السياق أقول لكل من لم يعجبه هذا الطلب أو استهزأ به بأننا لوحدنا في مواجهة هذا العدو الذي لا يخاف الله وبصدور عارية بالمقارنة مع ترسانة هذا العدو وبجغرافيا بعيدة عن هانوي فيتنام وعن الصين وحتى عن الجزائر مع كل التقدير والاحترام لكل ما يقوم به الأشقاء في اليمن وفي لبنان وبالطبع هذه ليست دعوة لرفع الراية البيضاء ولكنها دعوة لتغليب العقل على العاطفة.