تعمقت في الشهور الأخيرة الفكرة القاتلة بأن قطاع غزة في ظل حكم الأمر الواقع الذي تواصله حركة حماس أصبح يعاني أكثر وأكثر من حالة الانفلات الأمني سواء على مستوى الجريمة الجنائية أو على مستوى الجريمة السياسية مثل ظهور بيانات داعش وراياتها السوداء في فعاليات ذات طبيعة سياسية في قطاع غزة، وكذلك ظاهرة التفجيرات بدءا من استهداف منازل وبيوت قيادات حركة فتح قبيل ساعات من حلول الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس عرفات، أو حالة الانفلات الأمني التي طالت المركز الثقافي الفرنسي وغيرها، لكن اخطرها على الإطلاق هو ظهور رايات داعش علنا في ساحات وشوارع قطاع غزة، الأمر الذي يشير إلى ان هناك من داخل صفوف حركة حماس من يلعبون بهذه اللعبة النارية التي قد تحرق اصابع اللاعبين بها، فنحن نعرف أن حماس قادرة بالفعل على كبح جماح هذه الألعاب حتى لو خرجت من بين صفوفها، لأن الحاق قطاع غزة علنا في دائرة الإرهاب الدولي للقول: "إما نحن وإما داعش" هي لعبة غبية وخطيرة جدا، فيجب ألا ينسى أحد ان حماس لا تزال ضمن حكومة التوافق الوطني، كما أن الشرعية الفلسطينية التي يمثلها الرئيس أبو مازن واجهت ضغوطا هائلة لا مثيل لها من أميركا وإسرائيل حتى لا تتحقق المصالحة وحكومة التوافق الوطني، فكيف لحماس أو بعض اللاعبين داخلها أن يلعبوا لعبة الإرهاب، لعبة داعش من اجل الابتزاز الداخلي وتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب سمعة قطاع غزة؟ الذي يتعرض منذ سنوات للحصار الخانق والحروب التدميرية المتكررة؟ فهل هناك في حماس من تسوغ له نفسه ان يشوه سمعة قطاع غزة، وأن يرسم هذه الصورة الكريهة بأن قطاع غزة أصبح بؤرة من بؤر داعش؟ هذا ظلم كبير وأنا على ثقة من ان التيار الرئيسي في حماس لا يمكن أن يقبل التورط في هكذا العاب مهما كانت الظروف قاسية وصعبة.
ولذلك فإنني أطالب حماس بأن تقول كلمتها الواضحة وأن تعلن من هم هؤلاء الذين يلعبون اللعبة الخطيرة القاتلة، لعبة الإرهاب، ولعبة توسيخ سمعة قطاع غزة الذي يعاني ويعاني لكنه يبقى قاعدة بارزة من قواعد الوطنية الفلسطينية.
أمر طبيعي: انه في الظروف الصعبة، وفي الخيارات المتعددة، قد يجنح البعض في حماس أو في غيرها للنظر للأمور من زاوية ضيقة، ويظن أن لعبة التهديد بالإرهاب، أو غض النظر عن الإرهاب، أو التلويح بالإرهاب يمكن ان يكون لعبة ناجحة، لا...هذا هراء محض والطريق الوحيد أن تنحاز حماس لشعبها وللمشروع الوطني ولاتفاق المصالحة وحكومة التوافق، وأن تخرج من هذه الحفر التي يريد البعض إغراق حماس فيها بحيث لا يكون هناك مخرج أو انقاذ.
حماس تتحمل المسؤولية بحكم الأمر الواقع، وعليها أن تتحمل هذه المسؤولية بشكل ايجابي وأن تبتعد قدر ما تستطيع عن حفر الطريق، فالانفلات الأمني سلاح ذو حدين، قد يستخدمه البعض في العابهم السياسية لكنه في النهاية ينقلب ضد من يلعبون به، ويتحول الى كارثة حقيقية بكل المقاييس، ذلك أنه مهما كان نوع اللعبة فإنه حتى اللعب له حدود.