ربما يمر وقت طويل، قبل أن تقتنع حماس، أن تشغيل معبر رفح بشكل طبيعي ونظامي، مثلما كان حتى العام 2000 لن يتاح للشعب الفلسطيني في غزة، طالما أن مصر ترفض أن تتواجد شرطة حماس في المعبر، أو طالما أن حماس تتحكم في قطاع غزة أمنياً. فهذا هو الواقع شئنا أم كرهنا. والمسألة لا يحسمها تدبير من «حكومة التوافق» التي ليس بمقدورها أن تغير هذه المعادلة. لذا يُحسن الحمساويون صنعاً، ان وفروا على أنفسهم مشقة السجال في هذا الموضوع. فالمسألة تتعلق بموقف مصري واضح وثابت، قوامه ألا تكون حماس طرفاً ذا صلة في العلاقة الفلسطينية المصرية على أي صعيد. ولا يحتاج هذا الموقف لمن يحرّض القاهرة عليه أو يزيده وضوحاً وثباتاً. وان كانت هناك أية فائدة من الاعراب عن التمنيات، فلن نتردد في القول اننا نتمنى ألا يكون مثل هذا الموقف وارداً أصلاً، لكن هذا هو الوارد ولا شيء سواه، وله أسبابه عند المصريين، بل ان الموقف مدرج ضمن تدابير السياسة الأمنية العليا للدولة، ولا نقاش فيه. 
فما العمل والحال هذه؟! هل تظل غزة مغلقة على كارثتها، لا يستطيع المقيمون فيها المغادرة والعودة، ولا يتمكن العاملون في الخارج من الوصول الى القطاع لزيارة ذويهم مع ضمان العودة في موعدها الى اعمالهم؟ 
ربما افترضت حماس أن بمقدورها ادارة حملة علاقات عامة اقليمية رابحة، يضطر بسببها المصريون الى التراجع والتعاون معها في المعبر. وفي الحقيقة لا مجال لهكذا حملة في ظل مستجدات الاقليم، اذ لم يعد أي طرف مستعداً لأن يقبض لا كلام حماس ولا كلام سواها الفلسطيني، في موضوعات الشكوى والألم. ثم ان الدولة في مصر، التي جابهت دولاً وقوى اجتماعية وارهاباً مجنوناً، لكي تقطع دابر «الاخوان»؛ لن تتراخى في موقفها الرافض لوجود حماس على الطرف الآخر من المعبر. لذا فان طلب حماس من الحكومة الفلسطينية، الشراكة في المعبر لا معنى له، لأن الأمر منوط بالمصريين وليس بالحكومة الفلسطينية. وفي حال هذه الأخيرة، تجاهلت ذلك، ستكون النتيجة استمرار الاغلاق في وجه الطرفين!.
اصرار حماس على الشراكة في ادارة المعبر، هو سبب التأخر في فتحه وتشغيله جزئياً. واستمرار فرض القبضة الأمنية الحمساوية على قطاع غزة، هو السبب في عدم تشغيله بشكل طبيعي، حتى في حال خلو الجانب الفلسطيني من المعبر من عناصر حماس ثم تشغيله استثنائياً. فالمسألة ليست بيد السلطة الوطنية وحكومتها. والكلام نفسه ينطبق على مسألة اعادة الاعمار. وهذه حقائق لا يغيرها ولا يؤثر فيها الصراخ ضد الحكومة الوفاقية والرئيس عباس ولا غير ذلك من التخرصات.
لم يعد أمام حماس الآن، سوى رفع قبضتها الأمنية عن غزة واعتاقها، والعودة الى المسار الديمقراطي والى استعادة المؤسسات. فقد وصلت المقاومة الى طريق مسدودة مثلما وصلت التسوية والسياسة. والموقف الحمساوي لا يعطل غزة وحدها، وانما كذلك يعلق الكيانية الفلسطينية بكل مؤسساتها في كل مكان، ويعطل استجماع الفلسطينيين لارادتهم في هذا الخضم العسير. وتكون حماس مخطئة ان راهنت على تغييرات أو مراكز اسناد بعيدة وظلت تجتر الأوهام. نحن وحدنا. قد يُخترق وضعنا الداخلي وتجري محاولات استغلال ورقتنا بالمال. لكن المحصلة تقول في كل مرة اننا وحدنا ولا سند لنا في هذا المعترك المرير. فالمال يذهب وتبقى آلام الواقع!
حسناً تفعل حماس ان هي سلمت معبر رفح كاملاً وابتعدت. لعلها بمثل هذه الخطوة، تفتح باباً لشيء أفضل. وان لم تفعل، فانها تتحمل المسؤولية أمام المجتمع المتأذي من الاغلاق، وهذا أخطر عليها كثيراً من الانزواء!