حسب السجال الذي بدأ في اسرائيل، بعد الاعلان عن انتخابات مبكرة في شهر مارس المقبل، وبأخذ استطلاعات الرأي في الحسبان؛ نرى أن المخاض ينم عن وضعية انزياح متوقعة، الى المزيد من التطرف والسياسات العنصرية، لأن اهتزاز نتنياهو وضعفه، ليس هو نفسه اهتزاز اليمين وتراجعه، بل ان العكس هو الصحيح، بمعنى ان نتنياهو يسقط، لأنه فشل في أن يستغل ضعف الرئيس الأمريكي أوباما، وفي أن يكون يمينياً عنصرياً كما ينبغي، بحيث تتلازم السياسات الاجتماعية مع سياسات التطرف حيال التسوية ودعم الاستيطان الزاحف!

تدل كل التوقعات والسيناريوهات المنتظرة التي طرحها المحللون، على استحالة ان تأتي حكومة أقل تطرفاً من نتنياهو في موضوع التسوية والاستيطان. بل ان نتنياهو نفسه، على الرغم من الضعف الذي اعتراه، واتهامه بالفشل في حكم اسرائيل؛ الا أنه يتفوق على أية شخصية سياسية أخرى تطمح الى رئاسة الحكومة.

محنة اليسار الاسرائيلي حسب التوصيف المتداول أنه بات محروماً من التساند مع أحزاب العرب الفلسطينيين ولا يقوى على التحالف معهم، وهذه هي احدى نتائج ضعفه المزري في السنوات الأخيرة، اذ نجح العنصريون في "تخوين" جميع الأحزاب العربية دون استثناء، ضمن حملة التضييق على أهل البلاد وأصحاب الأرض.

القُطبان اللذان دخلا في شجار سياسي مع نتنياهو أدى الى اقالتهما وانفراط عقد الحكومة، وهما تسيبي ليفني ويائير لبيد؛ ليسا في حال جيدة. حزب ليفني "هتنوعا" تعطيه الاستطلاعات خمسة مقاعد على الأكثر، وحزب لبيد "ييش عتيد" أو "يوجد مستقبل" سيكون له على الأكثر عشرة مقاعد. الضيف الجديد، كحزب، على الحلبة السياسية الاسرائيلية في الانتخابات المقبلة (في كل انتخابات هناك ضيف جديد أو حزب جديد، يظفر بعدد معتبر من المقاعد) هو موشي كحلون، المنشق عن "الليكود" وزير الاتصالات السابق، الذي يطرح نفسه نصيراً للفقراء ويطالب بتقليص فواتير الكهرباء التي تستهلكها الأسر المعوزة. فقد صعد هذا المولود لأسرة هاجرت من ليبيا، على سلم "الليكود" في المؤتمرات الداخلية التحضيرية للزعامة وحصل على مراكز متقدمة على قائمة الحزب. لكنه، بعد أن نفد صبره، أعلن عن اعتزامه تشكيل حزب، وأعطته التوقعات عدداً من المقاعد قبل أن يطرح اسم حزبه أعلى من العدد الذي سيحظى به لبيد. فهو على يمين نتنياهو، لكنه يهجم عليه بسبب ما يعتبره سياسات اقتصادية اجتماعية خاطئة!

أحزاب الأصولية اليهودية "الحريديم" تُعتبر في كل مناسبة انتخابية، احتياطياً مسانداً لليمين سواء شاركت في الحكومة أم لم تشارك. معها وبها، يرفع "الليكود" عدد مقاعد التغطية لسياساته، الى أغلبية مريحة.

في هذا الخضم، يبدو جلياً أن ما تحتاجه أحزاب العرب الفلسطينيين، هو من جنس ما يحتاجه الفلسطينيون والعرب قاطبة، ألا وهو التكاتف والوحدة على برنامج عمل توافقي، لمواجهة التسونامي الصهيوني المتطرف. اخوتنا في الأحزاب العربية الفلسطينية، في دولة الأمر الواقع وداخل نظامها السياسي، باتوا مضطرين، راضين أو كارهين، الى التكاتف في جبهة واحدة، تستحث تصويتاً كثيفاً للعرب الفلسطينيين في الانتخابات المقبلة. فكأنما المُشرّع الاسرائيلي راهن على تفرقهم الذي ينجم عنه ضعف الاقبال على التصويت في الوسط العربي، فجعل نسبة الحسم الجديدة في الانتخابات 3.35% ما يعني أن عدم ائتلافها سيجعلها تتكسر آحاداً!

حيال هذا الطوفان المتوقع لليمين العنصري المتطرف في اسرائيل؛ يتعين علينا أيضاً، نحن المعلقين بين الماء وبين النار، أن نكف عن السجالات السخيفة، وأن نغادر هذه الغيبوبة، وأن نستفيق على حجم الأخطار وتفصيلاتها، لكي تتجه جهودنا الى تصليب النظام السياسي والحركة الوطنية، لا بد أن نبدأ بأنفسنا، قبل أن نطالب الآخرين باغاثتنا من تبعات الطوفان!