شاركت يوم السبت باسم حركة فتح في المهرجان الجماهيري الكبير الذي أقامته حركة حماس في ساحة الكتيبة في مدينة غزة, احتفالا بالذكرى الخامسة والعشرين لانطلاقتها, التي كانت منعطف التحول الثاني في الممارسة السياسية للإخوان المسلمين الفلسطينيين, حيث كان المنعطف الأول هو انشقاق الدكتور فتحي الشقاقي عن جماعة الإخوان المسلمين عام 1985, مكونا حركة الجهاد الإسلامي, ومنخرطا في صفوف الكفاح المسلح, وقد تعرض الرجل، يرحمه الله، إلى حرب شعواء من الإخوان المسلمين الفلسطينيين بصفة خاصة, ولكن بعد سنتين تقريبا, وتحت جناح الانتفاضة الأولى التي هندسها خليل الوزير « أبو جهاد « أطلق الشيخ أحمد ياسين حركة المقاومة الإسلامية حماس, ليصبح دور الإسلام السياسي الفلسطيني أكثر حضورا وتأثيرا في مجريات الأحداث في الساحة الفلسطينية وفي المنطقة العربية.

مهرجان انطلاقة حماس شاركت فيه وفود فلسطينية من المنفى كما شاركت فيه وفود عربية وإسلامية, وقد تصادف أن الذكرى جاءت بعد أيام معدودات من حرب الأيام الثمانية التي توسط الرئيس محمد مرسي في إنهائها على أثر اتفاق تهدئة تم اختراقه بسرعة, كما جاء المهرجان بعد أيام قليلة من انجاز فلسطيني كبير في الجمعية العامة للأمم المتحدة, ردت عليه إسرائيل سلبيا كعادتها بهجوم استباقي جديد في القدس !!! وقد كان من المفترض أن يكون الدكتور رمضان عبد الله شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي مع خالد مشعل في غزة, ولكن إسرائيل أبلغت الأشقاء المصريين عدم الموافقة, وقدرت حركة الجهاد الموقف بسرعة, وقررت عدم المجازفة, وهكذا وصل الأخ أبو الوليد مع وفد من حركة حماس فقط.

و هكذا فإن مهرجانا ضخما من هذا النوع, تحيط به كل العناصر والملابسات التي ذكرتها لكم, وأقيم تحت وابل من المطر, وأعطى إطلالات على تغيرات في تراتبية القيادة في حركة – كان ينتظرها الجميع – لا بد أن تكون النغمة فيه نغمة عالية, خطابية, عاطفية, مع التأكيد على الحقائق السياسية نفسها, وهذا ما تضمنه خطاب مشعل بكل دقة, حين أكد على المصالحة, وعلى الحقائق الرئيسية التي تضمنتها ورقة المصالحة المصرية التي وقع عليها في الرابع من أيار مايو في العام الماضي, والتأكيد مجددا على وصف الانقسام بأنه ليس من مصلحة أحد, وأنه كارثة وطنية, وأن غزة لن تكون خارج السياق الفلسطيني, كما أكد على الذهاب إلى الانتخابات والاحتكام إليها وإلى نتائجها, والتأكيد على أن منظمة التحرير هي المرجعية السياسية العليا للجميع !!! وأعتقد أن هذه المرتكزات الرئيسية هي نفسها التي تحاور بشأنها الجميع وتمت بلورتها في ورقة المصالحة, والموافقة عليها, والتوقيع عليها بشكل علني وصريح !!! وما دام الأمر قد انتظم داخل حماس, واستقرت التراتبية في القيادة الحمساوية, فإن هذا هو المهم في الموضوع رغم ارتفاع النغمة الصوتية, في مهرجان يحتمل بعض الحديث عالي الصوت, كما أن الطريق إلى المصالحة هو أقصر الطرق !!! ويمكننا التأكيد على أن اللعب الإسرائيلي وبعض الأطراف الإقليمية وانسياق بعض الأطراف المحلية, من خلال الرهان على شرخ وحدانية التمثيل, أو التشكيك في الشرعية الفلسطينية, أو تركيب مشاريع مغامرة على وضع الانقسام الفلسطيني, كل ذلك قد احترق في لهيب حرب الأيام الثمانية, وفي حرارة الإيقاع داخل الجمعية العامة, وفي رسالة الوحدة التي أطلقها الشعب الفلسطيني !!! ويبقى السؤال الكبير: متى يبدأ العمل في ورشة المصالحة الكبرى, بحيث يكون لنا في مرحلة الصعود هذه، أرض واحدة, ومجلس تشريعي واحد, ورئاسة واحدة, ومشروع سياسي واحد يبلوره الجميع؟

كيف نذهب إلى المشترك ونترك الطموحات الذاتية لكل فصيل؟ كيف نوجه قدراتنا وتحالفاتنا في الاتجاه الصحيح, وليس التفلت من خلالها إلى سلوكات المرحلة الماضية؟ كيف لا نضيع حقوقنا المشروعة في حالة تصادمية؟ فلا تكون المقاومة ضد المفاوضات على طول الخط؟ وكيف لا تكون المقاومة السلمية ونموذجها المبهر هو الانتفاضة الاولى ضد المقاومة المسلحة على طول الخط؟ كيف لا نعود إلى نقطة الصفر في موضوع مارسته كل حركات التحرر قبلنا وهو مرحلة النضال؟ كيف نجد لأنفسنا جميعا بكل فصائلنا أدوارا حقيقية دون الاكتفاء بلعن الظلام؟

اعتقد أننا الآن أكثر ثقة بالنفس, ونرجو أن تظل حالة الثقة بالنفس هي القاعدة وهي الأساس.