لم يعد قادة إسرائيل يتحدثون عن الخطر الإيراني.. لم يعد الملف النووي الإيراني يؤرق إسرائيل.. ولم يوزع نتنياهو منذ فترة نصائح ومواعظ نحو الدول صغيرها وكبيرها عن مقاسات القنابل النووية التي ستنتجها إيران خلال شهور قليلة وعن اليورانيوم عالي التخصيب. ولم يخرج جنرالات نتيناهو ليتحدثوا عن قدراتهم في محو البنية التحتية النووية الإيرانية بضربة سحرية واحدة.

كل هذا لم يعد متداولاً في إسرائيل والعالم وبدلاً من ذلك حول قادة إسرائيل تهديداتهم وضرباتهم الاستباقية إلى السلطة الوطنية والأرض الفلسطينية. فقد كشف العدوان على غزة مدى هشاشة إسرائيل عسكرياً.. إذ انها كانت نهباً للصواريخ وكلها صواريخ غير متطورة وغير مجهزة تكنولوجيا كالتي يملكها حزب الله وإيران وغيرها. فاستسلموا للتهدئة وبدأوا يلوحون باحتمالات التفاوض مع حركة حماس على انفراد في محاولة للعب على الحبلين بين السلطة وحماس. ثم جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ليصيب اليمين الإسرائيلي بلوثة من عدم الاتزان فسارعوا إلى اجراءات عقابية ضد السلطة والأرض والشعب الفلسطيني بتكثيف الاستيطان وحجز المستحقات الضريبية. ولعل استدعاء كثير من الدول لسفراء إسرائيل احتجاجاً على المشاريع الاستيطانية هو تحرك دولي جديد ضد السياسة الانتقامية الإسرائيلية فذلك لأن نتنياهو وهو مقبل على انتخابات وبعد فشله الذريع في غزة رغم سقوط مئات الضحايا يريد تعويض ذلك على جبهة أخرى.

إن استمرار إسرائيل في سياستها الاستيطانية وعدم الاستماع إلى صوت العقل الدولي سيؤدي بها إلى نهايات مفجعة. فلم تعد بعد ما حققته الدبلوماسية الفلسطينية تلك الدولة المدللة دولياً، وهي عرضة للعقوبات الدولية لاحقاً. فقد ولى زمن التأرجح في أحضان الغرب وبدأت التغيرات في المنطقة تنقلب ضدها كنتيجة حتمية لابتعادها عن طريق التفاوض السبيل الوحيد للسلام والأمن.

لسنا من يحدد للإسرائيليين طريق الصواب ولكن عتاة الاستيطان يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم ذاهبون إلى التهلكة سواء أخذوا الأغلبية في الانتخابات أم لا. فكثيراً ما قاد التطرف الجماعي أهله إلى مسارات مدمرة، فالقوة الإسرائيلية أثبتت عجزها في حربي لبنان وغزة وأخفق الوزن الضاغط لإسرائيل في الأمم المتحدة. فبأي سلاح سيواجهون النهوض السياسي الفلسطيني. وبأي تحالف سيهزمون القوة المتنامية للمحور الإيراني؟ وبأي لغة سيخاطبون التيار الإسلامي الصاعد في الدول المحيطة؟ أليس السلام الآن أقصر الطرق لأمن المنطقة بدلاً من خوض مخاطر الحرب والعزلة الدولية الخانقة التي بدأت تلقي بظلالها على إسرائيل!