مرة أخرى تعود إسرائيل إلى تكرار لعبتها المفضوحة، وذلك من خلال قتل الشاهد الوحيد، والإبقاء على روايتها الوحيدة ترويها كما تشاء، فقد قامت قوات الاحتلال بتحويل مدينة القدس إلى ثكنة عسكرية، حين هاجمت منزل الأسير المحرر معتز حجازي، وأطلقت عليه النار واردته قتيلاً، ثم بدأت تروي حكاياتها الزائفة كما تريد، فادعت أنها عثرت على المسدس الذي أطلق منه النار على المتطرف المجنون "جليك"، مع أن "جليك" هذا كان طيلة الشهور الماضية يقوم باستفزازات لا تطاق أمام نظر الحكومة الإسرائيلية وجيشها وشرطتها وأجهزتها الأمنية، فلماذا لم يقم أي طرف إسرائيلي بمنع "جليك" من الاستمرار في استفزازاته؟ ولماذا كانوا يضعون كل هذا العدد من الشرطة في خدمته لكي يشجعوه على ما يفعل؟
وتطور الأمر إلى حد أن حكومة إسرائيل احتجزت جثة الشهيد حجازي، ثم منعت تشريح الجثة، ثم سلمتها لأهله تحت جنح الظلام، وحددت عدد المشاركين في الجنازة، ثم أغلقت كافة أبواب الحرم القدسي لأول مرة منذ قرابة نصف قرن، وفي كل واحدة من هذه الإجراءات فإن إسرائيل كانت تقف ضد القانون الدولي، وضد المجتمع الدولي، وضد التاريخ، وكأنها هي وحدها في العالم، وأنها تستطيع أن تفعل ما تريد، فهل إسرائيل قادرة فعلاً على أن تعيش ضده، وخارج التاريخ أم أن عليها أن تبحث عن خيار آخر؟
أولى الإجابات عن هذا السؤال الكبير جاء من مملكة السويد من قلب أوروبا الحليف الأول لإسرائيل، والجواب جاء من خلال اعتراف السويد بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران والقدس الشرقية عاصمة لها، وفي خطاب الاعتراف الذي أدلت به وزيرة خارجية السويد، الذي هو وثيقة تاريخية كبرى، قالت وزيرة خارجية السويد ان الاعتراف بدولة فلسطين جاء تأييداً لمقتضيات ومتطلبات القانون الدولي!
فماذا ستفعل إسرائيل؟
هل ستتصالح مع التاريخ أم تبقى معادية له وخارجة ومعتدية على مساره الحتمي؟
ردود الأفعال الأولى من قبل نتنياهو وحكومته تشير إلى أن إسرائيل حتى هذه اللحظة عاجزة عن التصالح مع التاريخ، وعاجزة عن التصالح مع العالم، فقد وصف نتنياهو قرار الحكومة السويدية بأنه مؤسف، أما وزير خارجيته ليبرمان فقد احتار ماذا يفعل بسفيره، هل يجعله ينبح على السويد، هل يستدعيه، هل يبقيه؟ باختصار فإن إسرائيل مصابة بالصدمة والدهشة كما لو أن القرار السويدي جاء مفاجئاً، أو جاء مقطوعاً عن سياق يتحدث العالم ويتحاور فيه منذ سنوات، وجرت من أجله مفاوضات استغرقت عقوداً من الزمن، ووقعت بخصوصه حروب قامت بها إسرائيل وكان آخرها الحرب الأخيرة على قطاع غزة استغرقت واحداً وخمسين يوماً وخلفت آلاف الشهداء والجرحى.
ما هو خيار إسرائيل؟
هل هي جزء من التاريخ أم ضد التاريخ؟ هل هي جزء من العالم أم ضد العالم؟ هل هي عضو إيجابي في هذه المنطقة أم جزء شاذ وتفجيري واستنفاري في المنطقة؟
هناك في إسرائيل قوى كثيرة مؤيدة لنتنياهو وحكومته وائتلافه، ولكن هناك قوى وعقولاً وأصوات ترى أن نتنياهو أصبح عبئاً، وإنه يعيش بمعايير خارج الزمن الذي نعيش فيه، إنه يعربد بقوة وهمية ليس هو مالكها الفعلي، بل هو يحصل عليها من آخرين في هذا العالم لهم مصالحهم ولا يجب عليه أن يتجاهل مصالحهم.
ولعل التفوق الفلسطيني الذي يرفض نتنياهو الاعتراف به أن القيادة الفلسطينية لا تحتكم إلا إلى التاريخ، وإلى العالم، وإلى المجتمع الدولي وقوانينه وقراراته وآلياته، وقد سمع العالم كله بما فيه إسرائيل الرئيس أبو مازن يؤكد المرة تلو الأخرى، أنه إذا حصل من مجلس الأمن الدولي على قرار بالاعتراف بدولة فلسطين، فإنه سيذهب بهذا القرار إلى المفاوضات، ولكنها حينئذ ستكون مفاوضات بمرجعية محددة، حدود الدولة، وتحديد زمن إنهاء الاحتلال، فماذا تختار إسرائيل؟ أن تكون مع التاريخ أم تكون ضد التاريخ؟