قامت حكومة نتنياهو بارتكاب سابقة خطيرة لاول مرة منذ احتلالها لاراضي دولة فلسطين في الرابع من حزيران 1967، وهي إغلاق المسجد الاقصى في وجه المصلين من اتباع الديانة الاسلامية، متذرعة بحادث إطلاق النار على الحاخام الصهيوني المتطرف غليك يوم الخميس الماضي. 
ولتكريس سياسة الامر الواقع في التقسيم الزماني والمكاني لاولى القلبتين وثالث الحرمين الشريفين، جاء في أمر الاغلاق، ان الاغلاق يشمل المصلين من اتباع الديانتين الاسلامية و"اليهودية". وكأن امر الصلاة لقطعان الحريديم المستوطنين، بات أمراً مفروغاً منه. وهذا الأمر لن يمر مرور الكرام، وسيكون له تداعيات خطيرة على مسار وتيرة العنف في العاصمة الفلسطينية المحتلة. ويشكل عنوانا اساسيا من عناوين الحرب الاسرائيلية على القدس، بهدف تهويدها ومصادرة اراضيها، واغتصاب بيوتها وعقاراتها واحيائها، وامتهان مكانة اماكنها المقدسة الاسلامية والمسيحية، والعمل على تدمير المسجد الاقصى لبناء الهيكل الثالث عليه. 
الانتهاكات الاسرائيلية المتصاعدة في القدس الشرقية تهدف الى قتل خيار السلام من خلال الحؤول دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967. وهو ما اعلنه نتنياهو يوم الاثنين الماضي في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، وأكده قبل ذلك موشي يعلون عشية سفره للولايات المتحدة الاميركية، وتكرسة السياسات الاستعمارية الاسرائيلية على مدار العقود الاخيرة وخاصة بعد التوقيع على اتفاقيات اوسلو في ايلول 1993. 
الاعتقاد الاسرائيلي بأن الفلسطينيين نتيجة العوامل المحيطة بهم الذاتية والموضوعية، يمكن ان "يطأطئوا الرأس" ويقبلوا بالامر الواقع، فيه غباء وسذاجة مفرطة، وايضا ناتج عن العنصرية البغيضة المتأصلة في الذات الصهيونية، المعمقة للاستعلاء والغرور، المولدة للنظرة "الدونية" للآخر الفلسطيني، وهذا يعكس إفلاسا سياسيا في قراءة الشخصية والحالة الوطنية الفلسطينية.
ما حصل للحاخام المتطرف غليك، ليس سوى احد اشكال الرد الطبيعي لحالة السخط والغليان، التي ولدتها الانتهاكات وجرائم الحرب الاسرائيلية في عموم الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وخاصة في القدس وغزة. وفي حال واصلت حكومة نتنياهو المتطرفة جرائمها وانتهاكاتها، ولم تتعظ وتعيد النظر بسياساتها ومخططاتها الاستعمارية المتناقضة مع مواثيق وقوانين وشرائع الامم المتحدة ومرجعيات عملية السلام، فإنها بذلك، تعمل بشكل معد مسبقا لدفع الامور نحو حافة الهاوية. 
كما ان الجرائم والانتهاكات الخطيرة الاسرائيلية حكومة وقطعان مستعمرين، ما كان لها ان تستمر وتتواصل لولا التساوق الاميركي مع السياسات الاسرائيلية، وعدم لجمها للنزعات الاستعمارية للقيادات الاسرائيلية، وايضا لان القوى الدولية المؤثرة في صناعة السلم الدولي، لم تقو حتى الان على الضغط على إسرائيل واميركا، لالزام قيادتيهما بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67. 
ما لا شك فيه ان الخطوات الاوروبية، تعتبر خطوات ايجابية، ولكنها مازالت دون المستوى المطلوب. وعلى الاتحاد الاوروبي الارتقاء اكثر فاكثر الى مستوى المسؤولية للحؤول دون انفجار الوضع في المنطقة، وهذا يستدعي اولا اتساع دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ ثانيا فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية على الدولة الاسرائيلية وليس فقط على المستعمرات؛ ثالثا الضغط على الولايات المتحدة لاعادة نظر في سياساتها تجاه اسرائيل لحماية مصالحها ومصالح اوروبا وايضا حليفتها اسرائيل؛ رابعا التعامل في القدس الشرقية فقط مع القيادة الفلسطينية وممثليها في المؤسسات المدنية والثقافية والدينية. 
وعلى العرب الرسميين ان يتراجعوا عن سياسة التطبيع مع دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، ويسعوا ولو لمرة واحدة للاستخدام الأمثل لأوراق القوة الموجودة بأيديهم للضغط على اسرائيل والادارة الاميركية للالتزام بخيار حل الدولتين على حدود 67. 
إغلاق الاقصى سابقة خطيرة، لكنها لن تكون الاخيرة إن لم يستخدم العالم والعرب اسلحة الضغط على إسرائيل، دولة الارهاب المنظم في المنطقة والعالم. وعلى الجميع تحمل مسؤولياته التاريخية لحماية خيارالسلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.