مرة جديدة يعود اليمن الى دائرة الضوء والاهتمام الاستراتيجي، وهو الذي لم يغب عنها مطلقاً، الا ان التطورات الجديدة التي شهدها اليمن دفعت به الى واجهة الاحداث، على اعتبار ان التطورات الأخيرة دقت ابواب الكثير من التغيرات الاستراتيجية ليس في المنطقة وحسب، بل على مستوى الخارطة الاقليمية والدولية، حتى اضحى اليمن ركناً رئيسياً من اركان الامن والاستقرار الدوليين، لما يتمتع به من أهمية جغرافية استراتيجية تجعله يتحكم، بأهم الممرات المائية والتجارية تؤهله للتحكم بجزء كبير من مصير العالم.
فمع وصول الحوثيين الى العاصمة صنعاء وانتشار مليشياتها وقبلها السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها المشرفين على اكثر من 300 كيلو متر  بحري تضم الكثير من الجزر تؤهلها التحكم بمنطقة واسعة بدءاً من باب المندب جنوباً وحتى شمال افريقيا والبحر الاحمر والمتوسط ناهيك عن الاهمية الاقتصادية لهذا الممر الاجباري لناقلات البترول القادمة من الخليج العربي والمتجهة باتجاه اوروبا والتي تقدر كميتها بما يوازي 30% من صادرات العالم النفطية.
وتتشبه بها جزيرة حنيش التي تتمتع بميزات جغرافية هامة تؤهلها الاشراف على المنطقة والسيطرة مع جزيرة دهلك الارتيرية والتي أنشأت عليها اسرائيل قاعدة عسكرية نصبتْ فيها أجهزة ردارات وتحكم  وسيطرة الكترونية عززتها بنشر العديد من الصواريخ البالستية الاستراتيجية تهدد معظم ارجاء المنطقة بدءاً من الخليج العربي وصولاً الى قناة السويس وشمال افريقيا وحتى الشواطئ الايطالية واليونانية والاسبانية. وهذه المعطيات تؤهلها للعب الدور الاستراتيجي في قضايا الحرب والسلم الدوليين ويجعل منها من أهم القواعد والنقاط الاستراتيجية في العالم.
ويبدو أن الحوثيين المدعومين من حرس الثوري الايراني يريدون اعطاء الايرانيين موطئ قدم قوي في هذه المنطقة الاستراتجية في العالم وهو ما يضعها في مصاف الدول الكبيرة التي تستطيع أن تفرض على العالم احترام مصالحها وتوجهاتها الاستراتيجية وهي ميزة اذا اضيفت الى ميزة امتلاكها السلاح النووي المتوقع خلال السنوات القليلة القادمة هذا اذا كانت لم تكن قد امتلكته بالفعل يجعل منها رقماً صعباً يستحيل تجاوزه في القضايا الاستراتيجية في العالم.
 ويبدو أن هذا الواقع الجديد والتي كانت تسعى اليه الكثير من القوى والتي كانت تخوض سباقاً محموماً في ما بينها يفسر السلسلة الطويلة من الاحداث التي شهدها اليمن على مدى سنوات ماضية والتغيرات التي طرأت على خارطته السياسية وجعل من اليمن من الدول التي تأتي في المرتبة الأولى وجزءاً رئيسياً من الدول التسع التي طاولها " التغيير الربيعي".
ومن هذه التغيرات التي يبدو أنها ستطال حتى وحدة القضية اليمنية التي أصلاً بنية على أساسات هشة على أثر اعلان الوحدة اليمنية بين شطريه الشمالي والجنوبي قبل حوالي عشرين عاماً شهد خلالها الكثير من التحولات والاعتراضات كانت ولا زالت أولى خطوات انهيار النظام والدولة اليمنية بطريقة دموية ودراماتيكية لا يحسب لها الكثير حسابتها الدقيقة مما يجعل الازمة اليمنية تقف أمام اعتاب فترة زمنية قبل اعادة ترتيب اليمن جغرافياً وسياسياً يكون خلالها عرضة لتدخلات الكثير من الدول القريبة والبعيدة أكثر من ذي قبل حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية وهو ما يعني ادخال اليمن ركناً اساسياً من اركان الخلاف والتجاذب الدولي والصراع العالمي انطلاقاً من الازمة الاقليمية المتصاعدة والتي تمثل المملكة العربية السعودية وايران طرفي الاساسيين وهما اللتان تخوضان صراعاً على المصالح ليمتد ليس على مساحة الخليج العربي والبحر الاحمر بل يتعداه الى كل منطقة الشرق الاوسط.
فإيران التي تسعى لان يكون لها منفذاً على البحر الابيض المتوسط تسعى ايضاً الى امتلاكها نقطِة ارتكاز وسيطرة مطلة على البحر الاحمر عبر البوابة اليمنية ومن خلال النافذة الحوثية التي يبدو أن مخططها يسير حتى اللحظة كما هو مرسوم بانتظار ان يتحرك العالم للوقوف في وجهها خصوصاً أن ايران استطاعت ان تستغل عوامل التوقيت للقيام بهذا التحرك الجديد في الوقت الذي ينشغل العالم بالمواجهة الاخرى الدائرة على الطرف الشمالي من منطقة الشرق الاوسط من خلال مواجهة "داعش" في شمال سوريا التي تؤسس بدورها هي الاخرى لكي تكون مفتاحاً لتغيرات جيوسياسية استراتيجية في هذه المنطقة الخطيرة من العالم.