لاوجود لأسرار في الشرق الاوسط. ثمة ثمن لا بدّ من دفعه في مقابل هدنة طويلة الامدبين اسرائيل و «حماس» برعاية مصرية. في مقابل توقف اطلاق الصواريخ الايرانية منقطاع غزة، سيتوجب على «حماس» اتخاذ الاجراءات المطلوبة للسيطرة على التنظيماتالموالية لايران، بما في ذلك خلايا تعمل من داخل «حماس»، بل تعتبر جزءا لا يتجزّأمنها. 

امّابالنسبة الى اسرائيل، سيتوجب عليها التعايش مع «حماس» لفترة تلائمها، علماً بأنهالم تكن يوما ضد هذه الحركة نظرا الى انها تشكل عاملاً مساعداً للسياسة العدوانيةالتي تتبعها حكومة بنيامين نتانياهو وقبلها حكومات ارييل شارون وايهود اولمرت. 

الىاشعار آخر لا هدف لنتانياهو وحلفائه في الائتلاف الحكومي سوى تكريس الاحتلال لجزءمن الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. من افضل من «حماس» يوفّر المبرراتلمثل هذا الهدف الذي يمثّل حجر الزاوية فيه سياسة تقوم على غياب الشريك الفلسطينيالذي يمكن التفاوض معه. هل افضل من «حماس» والشعارات الطنّانة التي تطلقها كيتتهرّب اسرائيل، بموافقة دولية، من ايّ مفاوضات جدّية تستند الى مرجعية واضحة تؤديالى قيام دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها القدس الشريف؟ 

 كلّ كلام عن هدنة توقف الوحشيةالاسرائيلية مرحّب به. ولكن يبقى السؤال ماذا بعد الهدنة؟ هل يمكن الرهان على انالحرب الاخيرة في غزة التي استغلتها اسرائيل الى ابعد حدود وقتلت من قتلت، بما فيذلك القائد العسكري الاهمّ لدى «حماس»، ستؤدي الى مصالحة فلسطينية- فلسطينية؟ بكلاماوضح هل في الامكان القول أنّ «حماس» ستبحث عن مضمون سياسي لمثل هذه المصالحة، امستستغلّ حرب غزة لرفع شارات النصر والتوصل الى هدنة طويلة الامد تسمح لهابالانصراف الى تكريس وجود امارة اسلامية في غزّة على الطريقة الطالبانية، نسبة الىحركة «طالبان» في افغانستان؟ 

هناكخوف من سلوك «حماس» هذا الاتجاه مستفيدة من تجربة «حزب الله» في لبنان. فبعد حربصيف العام 2006، رفع الحزب الايراني شارات النصر على الرغم من الهزيمة الساحقةالماحقة التي لحقت بلبنان. وقتذاك، استشهد مئات اللبنانيين ودمّرت اسرائيل جزءاًكبيراً من البنية التحتية اللبنانية. لحقت بلبنان خسائر ضخمة، تشبه الى حدّ كبيرالخسائر التي الحقتها بالوطن الصغير حكومة «حزب الله» الحالية برئاسة نجيبميقاتي... وهي حكومة لا هدف لها سوى عزل لبنان عن محيطه العربي، خصوصاً عن اهلالخليج، واذلال كلّ سني ومسيحي لبناني...من اقصى شماله الى اقصى جنوبه. 

ماالذي ستفعله «حماس» بعد الهدنة الجديدة؟ هل تستطيع الاعتراف بأن ما حصل كان كارثةكبيرة حلّت بغزة، أم ستعتبر أنّها حققت انتصاراً كبيراً على اسرائيل يمكن حصادنتائجه السياسية البناء عليها؟ 

 يمكن البناء على ما تحقق في غزة في حالامتلاك «حماس» ما يكفي من الشجاعة للأعتراف بأنّ لا مفرّ من مصالحة فلسطينية-فلسطينية. شروط مثل هذه المصالحة معروفة جيّداً. انها تقوم أول ما تقوم على اتفاقفي اساسه وجود مضمون لمثل هذه المصالحة. المضمون الوحيد الذي له معنى هو القبولبالبرنامج الوطني الفلسطيني، ايّ البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذياقرّه المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر في تشرين الثاني- نوفمبر 1988. 

ماذاستفعل «حماس» بعد الهزيمة الكبرى في غزّة التي ستعتبرها انتصارا ؟ هل ستطبق علىالفلسطينيين المقيمين في القطاع ما طبّقه «حزب الله» الذي انتقل من الانتصارالالهي الذي حققه صيف العام 2006... الى احتلال وسط بيروت واستكمال تحقيق ما لميعجز عن تحقيقه العدوان الاسرائيلي على لبنان؟ 

 من الواضح أنّ هناك خيارات عدة امام«حماس». لكنّ الخيار الوحيد السليم يتمثّل في الذهاب الى مصالحة فلسطينية-فلسطينية تقوم على اساس واقعي يعترف به المجتمع الدولي المتحضّر. في غياب ذلك، ليسامام «حماس» سوى الهرب من الواقع، اي الاستسلام للشعارات المضحكة- المبكية التيتعتمدها والتي ادت الى حربي 2008-2009 و2012. 

ادتالحربان الى مزيد من المآسي الفلسطينية واظهرتا أنّ اسرائيل حريصة على «حماس» مادامت تخدم مصالحها الاستراتيجية القائمة على فكرة استبعاد اي تفاوض جدّي مع الجانبالفلسطيني، استنادا الى مرجعية واضحة، بما يؤدي الى قيام دولة فلسطينية «قابلةالحياة». 

فيالنهاية، يفترض في حركة مثل «حماس» الاقرار عاجلا أم آجلا، أنّ ليس في استطاعتهاادارة غزة. لا لشيء سوى لأنّ الحركة لا تعتبر نفسها معنية بالمشروع الوطنيالفلسطيني. كلّ ما يعنيها هو تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وليس زوال الاحتلال.هل في استطاعة «حماس» استيعاب هذه المعادلة...ام تعتقد أنّ في استطاعتها الرهانعلى الوقت من اجل اسقاط الضفة الغربية، على غرار سقوط غزة؟ 

 اكثر من ذلك، سيتوجب على «حماس» فيالمستقبل القريب الاجابة عن اسئلة مرتبطة بالامن في سيناء، اي امن مصر، ومدىمسؤوليتها عن انتشار ارهابيين في تلك المنطقة الحيوية. هل سيكون لدى «حماس» اجوبةعن مثل هذا النوع من الاسئلة، ام ستتابع عملية الهروب الى امام رافعة اشارات النصرمن منطلق أنّ ما يهمها اوّلا الانتصار على اهل غزة، على غرار انتصار «حزب الله»على اهل بيروت ولبنان!