لنمض الى المصالحة الوطنية الفلسطينية، على الرغم منمواقف الذين يرون فيها خسارة لأدوارهم. ومضطرون الى غض الطَرْف، عن تفوهات البعض، منغير أصحاب المصلحة في وحدة الشعب الفلسطيني وكيانيته السياسية. ولدى الوطنيين الغيورين،على طرفيْ الخصومة، مهمتان. الأولى تتعلق بالمثابرة على تأسيس التيار الشعبي لإنهاءالانقسام، أما الثانية فهي العمل، كُل طرف في جانبه، على إعادة صياغة نفسه وسياستهوطرائق عمله. من جهتنا كـ «فتح» ينبغي أن نذهب سريعاً الى عملية التهيؤ لما بعد التصويتفي الجمعية العامة للأمم المتحدة. هناك الكثير مما يتعيّن علينا معالجته أو تصويبه،في أساليب وآليات عملنا، أقله الارتقاء بمستوى عمل مؤسسات السلطة، وتعميق الثقافة الوطنية،ومراجعة شاملة لوضعية السلك الديبلوماسي وآليات إدارته، ومراجعة موضوعية، لتحديد الممكنوتحديد العسير، على صعيد علاقة الأمر الواقع مع الاحتلال، وتهيئة القاعدة الاجتماعيةللحركة الوطنية الفلسطينية، للصمود وللقدرة العالية على الاحتمال، إذا ما تعرضنا لحملاتمتوقعة لخنق حياتنا والتضييق علينا. وبصراحة، لن يتأتى لنا هذا إلا بتوسيع دائرة المشاركة،والدمقرطة الحقيقية لعملية اتخاذ القرار وتحديد الخيارات، وإعادة الاعتبار للأطر التنظيمية،وسد الفجوة بين الإدارة العليا للجهاز الحكومي والقوى السياسية!

فإن ظللنا على هذا الحال الذي نحن فيه، سيكون أداؤنا،أدنى بكثير من مستوى وضعية الدولة التي ننشدها بعد أيام. كذلك سيكون انخراطنا في المصالحةالتي نتوخاها، مربكاً للقوى الوطنية، طالما أنها غير منظمة وغير منسجمة وغير ذات رؤيةمستقبلية.

كنا، بعد أن التوقيع على «أوسلو» نمر بمرحلة عسيرة،على الصعيدين العربي والدولي، بعد حرب الخليج الثانية وعلى اثرها. لم تكن «أوسلو» مرضيةلكثيرين، ومنهم كاتب هذا السطور. كتبنا أيامها: أما وقد وقعت الفأس في الرأس، وأن تطبيقاتاتفاق «إعلان المبادئ» ستبدأ بعد قليل، فلا بد من الذهاب سريعاً، الى عملية فرز وإصلاحلبُنية منظمة التحرير وتخليصها من عناصر الترهل، واستعادة الصلابة والمناقبية لحركة«فتح». فإن كان لا بد لنا، من الدخول في عملية سلمية؛ ينبغي على الأقل أن ندخلهاببُنية الثورة والمقاومة. أما إن دخلناها ببنية مترهلة وبِبُنيةٍ يعلو فيها شأن المتخففينمن كل قيمة نضالية؛ فإن النتائج ستكون كارثية. ربما يكون الانخراط في عملية سلمية،بالبُنية النضالية وبأخلاقها وعزائمها، ذا نتائج ربما لا يتيحها لنا الكفاح المسلح.

كذلك نقول اليوم، إن التأطير السياسي الجغرافي، لخارطةفلسطين وفق محددات التسوية، من خلال وضعية الدولة (وإن كانت بلا عضوية)؛ يستوجب إعادةالنظر في بُنيتنا وفي وضعنا الداخلي، لكي يكون لهذا المستجد، مفاعيله الإيجابية علىخطوط البناء الوطني والمصالحة والحكم.

أما الأصوات الحمساوية التي تتعمد تعكير الأجواء، لكيلا يتصالح طرفا الخصومة؛ فهي أمر نأمل أن يتكفل بعلاجه التصالحيون من «حماس» نفسها.أخونا «الزهار» مثلاً، لم يتردد في هذه اللحظة، التي نواجه فيها تحديات وطنية صعبة،ونواجه أخطاراً تستهدف السياسة والمقاومة معاً؛ في تغليظ الهجاء لـ «فتح» وللرئيس محمودعباس. وأظنه معنيٌ بتسميم الأجواء. قال إن الرئيس عباس (المسافر بعد أيام الى الأممالمتحدة) لا يمثله. لم يسأله أحد إن كان يمثله الرئيس عباس أم لا. أشاد «الزهار» بإيرانونحن لسنا ضد ذلك، لكننا نعرف أن محمود أحمدي نجاد، لا يمثل كل الإيرانيين، بل إن كثيرين،حتى من صلب النظام، لا يرغبون في قرارة أنفسهم أن يمثلهم، كهاشمي رفسنجاني، على الرغممن كونه الآن رئيس هيئة تشخيص النظام، وكان رئيساً للجمهورية لفترتين، ورئيساً للبرلمانوقائداً للقوات المسلحة في فترة مصيرية. هناك فارق بين عدم الرغبة والإنكار، لأن فيالنكران منطقاً عدمياً، يُحال الى اللا شيء أو الى اللا تشكُّل. فنحن لا نتغنى بأشخاص،وإنما نحرص على سلامة الصفة التمثيلية الشاملة للشعب الفلسطيني، في إطار كيانية سياسيةإن ضاعت منا، لن يسمح لنا الآخرون ببديلها. فمن يرغب ولا يرغب، عليه أن يحث على استعادةالنظام الديمقراطي الفلسطيني، الذي تتاح في إطاره لإرادة الشعب الفلسطيني اختيار منيمثلونه!

خلاصة القول، إن وضعنا الوطني، لا يحتمل المماحكات.يتوجب علينا، أن نذهب الى وَحدَة الكيانية الفلسطينية وإنهاء انقسامها. وفي هذا السياق.ولا بد من غض الطرف عن كل «الخربشات» والتخرصات المعيقة!