قصة "داعش" أو تنظيم الخوارج الجدد وسطوة اتساع رقعة وجودها في منطقتنا، وتمددها وخطرها وطغيانها على الرأي العام العالمي والاعلام، تأتي في سياقات ثلاثة ، من الممكن ان نتوجه لها مباشرة دون الخوض بتفاصيل النشأة او اسبابها العقدية الفكرانية او التنظيمية او السياسية المصلحية ما قد نفرد له مقالا آخر، كالتالي
السياق الاول يتمثل في الانقلاب الاكبر في الفكر الاسلاموي نحو العزلة الفكرية ذات الجذور في الثقافة العربية الاسلامية المغالية حيث الولاء والبراء والاستعلاء والتترس بأكثر المفاهيم غلوا، ثم العزلة المكانية او (التمكين) عبر دولة ونظام وامير وفكر وملعب يضمهم، لا سيما وتجارب من سبقوا "داعش" في الجزائر وافغانستان والشيشان وغيرها ما زالت تشكل مددا وعبرة وتجارب يتم التعلم منها
وعبر العنف المسرف والارهاب المبرر دينيا لديهم، ضد المخالفين طُرّا، والمنعقد من خلال تحالف عدد من القوى الظلامية تحت مظلة "داعش"، وليس من نافلة القول التصريح ان "داعش" من حيث المكوّن عبارة عن: تجمع المهمشين في العالم (وكثير من المسلمين يضعون انفسهم -او يعبَّئون-في هذه الخانة في مواجهة الحضارة الغربية القاصفة لعمر خير امة.....، كما يتم تنشأتهم) المتحالفين مع الحالمين بالفردوس الاعلى والجنة التي لم يعيشوها على الارض ،مع مجموعة من تجار الحروب والمرتزقة والمجرمين، بل وعدد من أتباع الانظمة السابقة الحاقدين الخارجين عن الانسانية الى بركان الهمجية والهولاكية الداهمة
والثاني يتجلى في تقاطع مصالح الاقليم المجاور للعراق وسوريا ولبنان المهيء لاستمرار "داعش" والراعي لها، والذي يأتي من خلال اشعال حرب الوكلاء والمرتزقة، في صراع المحاور، واشباعا لحالة النزق الشخصي وسطوة عقلية اللعب
هذه الدول التي تصنع من خلال الوكلاء سدا منيعا -كما تظن، وضمن اهداف اخرى- بينها وبين الحريق داخلها، لا سيما وان التيارات المتطرفة (او المعارضة الديمقراطية) لدى كل محور من محاور الاقليم الرئيسة تنتظر الاشارة لإشعال الفتيل، بمعنى آخر فان دول الاقليم تخشى رؤوسا كثيرة لديها فتؤجج الحرب خارجها في رسالة لغالب ناسها مفادها:اما الخنوع والخضوع للنظام الذي نمثله نحن (وهو غالبا نظام غير ديمقراطي قطعا) واما الدمار كما ترون، فتحتمي بهم، وقد تضحي بالعديد منهم في مواجهة أعداء النظام الداخليين والدواعش الكامنين فيها
اما السياق الثالث المشجع على ترعرع شجرة "داعش" فمما لا شك فيه ان المستفيد الاكبر من كل ذلك هما امريكا و(اسرائيل) وهذا ليس تنفيسا لرغبة متأججة في صدورنا كفلسطينيين او عرب للاتهام ابدا ، على اعتبار ان ادبياتنا تحفل باتهام الامبريالية الامريكية بالعقلية الاستعمارية، أو لأن شعبنا يقطر دما يوميا من آلة الدمار الصهيو-امريكية التي لا تتوقف، وانما يأتي ذلك متسقا مع اهداف امريكا المعلنة بلا لبس بالمنطقة وهي: النفط وأمن اسرائيل-اسرائيل التي تؤمن حكما مصالح العقلية الاستعمارية المصلحية
وعليه يصبح العمل على توسيع مساحة الفوضى والعبث والصراعات والتفكيك والسيطرة على المتصارعين من خلال الحفاظ على استمرار تناقضاتهم وصراعهم لاطول فترة ممكنة يشكل هدفا رئيسيا آخر ، شرط الا يتعارض -من حيث المساحة والشدة والسيطرة- مع الهدفين الاولين
اما "اسرائيل" فبوجود "داعش" ذات الرعاية الالهية في قادتها ، والرعاية الذهبية من المحاور المتقابلة (المتقاتلة بشعوب غيرها) فليس مهمتها الا قطف الثمار بعد ان سقت البذور من خلال تأكيد ما تشيعه في العالم زورا انها: الديمقراطية الوحيدة ، وانها الدولة الاخلاقية ، وانها رسول الغرب المتحضر داخل غابة الشرق الوسط المليئة بالوحوش مثل "داعش" وحماس، كما بدأت تنظر دعاية "نتنياهو" مؤخرا
وانها اي "اسرائيل" بنفس المنطق الذي تحمي فيه انموذج الحضارة الغربية فكرا وقيما وديمقراطية تحمي "شعبها" البريء، وتقيه من شر اي "محرقة" جديدة، وتحمي الحيوانات الأليفة (انظر المرئيات= مقاطع اليوتيوب عن ذعر الحيوانات الاليفة في فلسطين الداخل من صواريخ "الارهابيين" في غزة)
لذا فانه في حالة استمرار تقاطع المصالح في الاقليم واستسلام المنطقة لقواعد اللعبة الجديدة، والفوضى والتشتت، وانشغال غالب الدول بمشاكلها الداخلية مع التضحية بالعمق القومي لصالح المصلحة الانانية الترابية، وعدم القدرة-حتى الان- على بلورة تحالف عربي صلب يتخذ موقفا موحدا وقويا ومؤثرا، ستظل الحرائق مشتعلة في البيت العربي شرقا وغربا ، ولن تستثنى فلسطين بالتأكيد التي هي الحلقة الأضعف ، فإن كانت غزة اليوم ساحة العدوان الاساسية فيها فلا يظن احد ان الضفة او القدس او حتى الجوار بمنأى عن لهيب النار أكانت بيد "داعش" أو عمرو
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها