عمم شاب فلسطيني دعوة فرحه على عروسه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. هو وهي من الناجين من مقصلة الابادة الاسرائيلية في محافظات الجنوب. مكان فرحهما في إحدى المدارس، التي باتت مكان إيواء للنازحين والفارين من بيوتهم نتاج العدوان الاسرائيلي البربري.
غزة المحاصرة بالموت الاسرائيلي السريع والبطيء، تنهض من جديد كما طائر الفينيق، شعار المدينة العظيمة. لم تقوَ آلة القتل الصهيونية على مدار عقود الصراع العشرة الماضية من قهر ارادة الحياة والامل في اوساط ابناء الشعب الفلسطيني, الذين إنتصروا لذاتهم وهويتهم واهدافهم الوطنية.
في كل جولة من جولات الموت التطهيرية الاسرائيلية، خرجت غزة اقوى واعظم. وقدمت الدرس والعبرة لكل ذي بصيرة من الاشقاء والاصدقاء والاعداء على حد سواء، انها كانت، ومازالت حاملة اساسية للمشروع والهوية الوطنية. ولم ولن تثنها عن ذلك، دعوات الاقصاء والانقلاب والفصل التعسفي بينها وبين الجناح الشمالي للوطن عبر المشاريع المشبوهة «الكونفدرالية» و»الفيدرالية». وقضمت غيضها، وكابدت ألمها وحزنها من كل الحكومات، التي اعقبت الانقلاب، التي حادت عن القانون في تعاملها مع موظفي القطاع المدنيين والعسكريين، التي ناقضت قوانينها وقراراتها بشأنهم، وحرمتهم من ابسط حقوقهم. لا بل ان بعض المسؤولين تجاوز حدود المنطق، حين وصف الموظفين الملتزمين بقراراتها، بـ «المستنكفين»، وسعى للبطش بلقمة عيشهم تحت توصيفات باهتة وشاحبة كوجوههم.
العريس والعروس باعلانهما زفافهما في احدى المدارس الآن، رغم ان الحرب الاسرائيلية المسعورة لم تسدل الستار على فصولها، كان إعلانا للانتصار على لغة الموت الاسرائيلية. إنتصاراً على الجراح والدمار. وإشهارا للفرح والحب في زمن العنصرية والابادة الاسرائيلية.
العروسان لم تثنهما الاشلاء المتناثرة لجثث الشهداء، ولا أنات الجرحى، ولا الدمار المحيط بهما من كل زاوية، ولم يتراجعا عن خيار الفرح، رغم انتفاء البيت وغرفة النوم والزفة وطقوس الفرح المعتادة. وشاءا ان يؤكدا ان نثر الفرح لا يحتاج الى كل الطقوس. وكل ما يحتاجه اعلانا بسيطا، ومكانا متواضعا في احدى زوايا مراكز ايواء النازحين، وفرشة متواضعة من الاسفنج، وزغرودة من الام والحماة، إن كانتا من الناجين، او الاخت او الصديقة او الجارة.
غزة المكفولة بالنار، والمعمدة بالهوية الوطنية تنتصر بادواتها ورمزياتها البسيطة، بعدم استسلامها لمشيئة حرب الابادة الاسرائيلية، وظلم ذوي القربى. وتضيء شموع الفرح وسط عتمة الليل وانقطاع الكهرباء. تحتفي بعرسانها بالشموع كما يليق بأعظم طقوس الفرح، تنافس مدن كان الفرنسية ولاس فيغاس الاميركية ومدينة الضباب الانجليزية وروما الايطالية وغيرها من اسماء المدن الكبيرة. لتؤكد انها تملك ناصية قرار الفرح والانتصار على الموت الفاشي الاسرائيلي.
هذه غزة المجيدة والعظيمة. غزة الناهضة من بين الانقاض وصور الاشباح. غزة التي اعادت رسم لوحة الوطن الواحد والموحد، وعمقت التعاضد والتكافل بين اعضاء الجسد الواحد في الكل الفلسطيني في داخل الداخل والشتات وحيثما كان هناك فلسطيني في بقاع الارض. غزة مقبرة الغزاة على مدار التاريخ، ستكون مقبرة للصهاينة وكل الابواق الصفراء داخل وخارج الوطن.
مبروك للعروسين ولكل من اضاء شعلة الامل والفرح من ابناء المحافظات الجنوبية. مبروك لغزة بكما ايها الابطال، لانكما من رموز العطاء والمحبة.
الفرح على انقاض الجراح / بقلم عمر حلمي الغول
14-08-2014
مشاهدة: 674
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها