اللهم اجعله نوعاً من اللغط، ما يُقال عن "قناة تفاوض سرية" بين حركة حماس وإسرائيل. إنه دعاء ساخن، من قلب رجل لم يتعفف عن الانتساب بقناعة، الى معسكر قد أضناه التفاوض. ولا أظن، إن تفاوضاً سرياً يُفشى أمره منذ البداية، بينما طرفاه ووسطاؤه، من الراسخين في الكتمان، يستعينون به على حوائج كثيرة. لكن ما أرغب في دفع شرّه الآن، هو أن يتفاوض فصيل فلسطيني، منفرداً، وهو من هو على صعيد طموحات الحكم والتمكين، بينما الحكاية تتعلق بشعب وبلد ومجتمع، ليس أكثر منه في المنطقة تعدداً في الاجتهادات والآراء المتعلقة بالمصير، وبالأطياف التي يأنس كل طيف منها، في نفسه، الأحقية والجدارة، في أن يُدلي بدلوه وأن يؤثر، في دائرة اتخاذ القرار التاريخي. وأقول مرة أخرى، بصيغة البَوح الشفيف، إن دفعي لمثل هذا اللغط الذميم، ليس اعتراضاً على محاولات ترويض الوحش وتدجينه والتكيف مع حضوره القبيح؛ وإنما هو اعتراض من نوع الغيرة الحقيقية على المطولات النظرية نفسها، التي ما فتئنا نرجوها أن تتواضع قليلاً فيما هي تزلزل، وأن تأخذ بالحسبان وقائع الحال ومعطيات الصراع. وأصارح قارئي بما قد يراه نقيصة أو مزاودة، لأقول إنني أحزن كثيراً عندما يغشى صاحب حديث الزلازل، غرف التفاوض ويتحادث، ويتعرق رغم التكييف. فلا أريد لشيء أن يكون زائفاً في حياتنا ومواقفنا على تنوعها. حتى الجنون نفسه، في حياة الفلسطيني، تحدوني الرغبة في أن يظل أصيلاً وثابتاً على جنونه، وإذا أغوته العقلانية، فلا ضرورة لأن يتخلى هو نفسه عن ميزة الجنون. فالأفضل أن يسلم زمام الأمر الى آخرين، وأن يكتفي بالسكون في المركب، وله أن يتحدث رافضاً وجهة الإبحار. تماماً مثلما فعل نتنياهو وهو يضم ذات يوم، الى حكومته، ملطوشاً يطالب بقصف السد العالي في مصر!
هذا الذي قلته، يُعد مسألة أدبية أو عاطفية. أما في السياسة، فإن أية قناة تُفتح بين إسرائيل وفصيل يطمح الى جغرافيا سياسية له ولحزبه، وعلى أية مساحة، ولو في حجم غزة المنكوبة؛ لن يتعاطى فيها الطرفان شأناً يتعلق بالقضية الوطنية العامة. طرف يحتل أرضنا، ويعرف ماذا يريد الطرف الآخر لنفسه، ويعرف أن المشروع المُعلن من قبل الطرف الآخر، قد وصل الى طريق مسدودة، وأن معنى الهزيمة ومعنى الانتصار، عنده، قابلان لإعادة الصياغة والتنقيح، وقابلان للتحميل بمفردات نورانية، تُغني عن الكهرباء. عندئذٍ، سيكون الطرف الثاني معنياً بما سيتحصل عليه ويصب في هدف النجاة بمشروع التمكين، على جغرافيا بأية مساحة!
لا أقول إن هناك قناة تفاوض سرية، وإنما أتمنى أن يكون ما قيل عنها محض نوعٍ من اللغط. فما قلناه الآن، هو مجرد شرح لطبيعة المقاصد إن كان هناك مثل هذه القناة. وهذا أقل ما ينبغي أن يقال في ذم الفضيحة. فلا نجاة لطرف، ان ابتعد عن الوجهة الوطنية السياسية. إن الشجاعة والبراعة، تكمنان الآن في موقف عام، يعزز الورقة السياسية الفلسطينية، ويرفع من شأنها دولياً، ويسهم في إعادة بناء المؤسسات الديمقراطية، ويعترف أن للناس مآخذ على كل الأطراف، بل إن للناس على كل طرف، من المآخذ، ما يساوي حجم ما أصابها من أذى بسبب سياساته ومنهجه.. والباقي عندكم!
قناة تفاوض ..سرية/ بقلم عدلي صادق
12-08-2014
مشاهدة: 779
عدلي صادق
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها