هذا العنوان استجلب من ذاكرتي حادثة لا أنساها نظراً لما فيها من المعنى والمغزى، أذكر قبل استشهاد ياسر عرفات الرمز دُعيتُ إلى تقديم محاضرة بالشراكة مع الزميل المعروف حلمي موسى وذلك في قاعة مركز معروف سعد المخصصة للمحاضرات، والجهة الداعية كما فهمت هي لجنة مقرَّبة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والعنوان كما أذكر كان اتفاق أوسلو بين الرفض والتأييد، أو بما معناه. وغصت القاعة بما يزيد على خمسة وسبعين ضيفاً، ووقتها كانت الحملة على اتفاق أوسلو في أوجها، وكانت عملية تخوين ياسر عرفات من أسهل ما يكون.
قدَّمتُ ما لديَّ من أفكار حول اتفاق أوسلو وقلت هو الخيار المر، وأنَّ فيه سلبيات وفيه إيجابيات...
الأخ حلمي موسى قدَّم أيضاً مداخلته ومعروف أنه من المعارضين لاتفاق أوسلو لكنه كان في حديثه موضوعياً، وعلينا أن نحترم الافكار الموضوعية لأنها تغذي العقل.
عندما فُتح باب الأسئلة، انصبَّت الاسئلة بأغلبيتها العظمى باتجاهي وكان عليَّ أن أُجيب عن هذه الاسئلة بغض النظر عن مضمونها وطريقة طرحها، والاساءة المتعمدة من قبل أصحاب الاسئلة، فالتخوين، والتنازل عن الحقوق، وبيع فلسطين كلها أُلصقت بياسر عرفات رحمه الله، وكانت الأجواء مقيتة بالمناخ السياسي المُسيطر، وفعلاً كنت أتمنى أن يكون هناك لو سؤال واحد حول العدو الاسرائيلي، ولكن هذا لم يحصل.
من الضيوف المدعوين الذين وصلوا متأخرين بعض الشيء، الدكتور الصديق وأحد قادة الجبهة الشعبية التاريخيين حسين أبو النمل، وهو اليوم محلل سياسي، ورجل فكر، وناشط في الندوات، وقد آثر الجلوس خارج القاعة لكنه كان يستمع لكلِّ ما يُطرح من أسئلة، وكل ما يُعطى من أجوبة. وعندما انتهت المحاضرة وخرجنا رأيته واقفا ولم اكن حتى تلك اللحظه أعرفه جيداً، وقد شعرت بأنه يرغب بمصافحتي، فاقتربت منه وصافحته، إلاَّ أنه إعترض طريق اللجنة التي أعدت، وحضَّرت، ودعت، واستمعت وقال لهم على مرأى ومسمع من الجميع: أليس عيباً عليكم، ألم يعد أمامكم إلاَّ أن تسبُّوا ياسر عرفات، هل نسيتم عدوكم الكيان الإسرائيلي، كنت أتمنى أن تتذكروا بأن إسرائيل هي عدوكم وليس ياسر عرفات، عيب عليكم، هذه ليست تربيتنا، ولم أسمع من المجموعة التي رعت هذه المحاضرة كلمة واحدة وانما لفَّ الصمتُ الجميع، ثم اعتذر مني عمَّا حصل. عندها سألتُ عن هذا الرجل فقيل لي إنه الدكتور حسين أبو النمل، وهو قائد في الجبهة الشعبية، ومعروف لدى قواعد وقيادة الجبهة بالجرأة، والصلابة، والوضوح. لقد اكبرتُ هذا الرجل واحترمته لأنه لم يُضيِّع البوصلة وهذه من أهم مميزات القائد.
من هنا أنطلقتُ لتناول ظاهرة مخيفة وقاتلة أصبحت شائعة في أوساط حركة حماس القيادية والسياسية والاعلامية، وخاصة القنوات الفضائية، والناطقين الرسميين، وهذه السموم الاعلامية تنتقل إلى الأطر الأدنى لتسمم الأجواء والمُناخات في المجتمع الفلسطيني، أصبح الهدف المعادي الأول لإعلام حركة حماس هو الرئيس أبو مازن، والسهام كلها منطلقة باتجاه رئيس الشعب الفلسطيني محمود عباس، والكلام يصدر عن ناطقين رسميين أمثال أبو زهري، وايهاب الغصين ومشير المصري، وطاهر النونو وغيرهم، وكلامهم جارح وبذيء، وملؤه التخوين والكراهية والاحقاد، وأنا شخصياً أخجل أن أسمع أو أن أقرأ ما يُقال وما يُنشر.
وأسأل نفسي أحياناً هل قيادة حركة حماس توافق على ما يُقال؟ واذا كانت موافقة فهل يجوز قبل أيام كنا نتبادل كلام المصالحة وانهاء الانقسام، وتعزيز الوحدة الوطنية ونصفِّق ونبتسم، وبهذه السرعة نصبح الدَّ الاعداء، ونستبيح كرامة رئيس دولة فلسطين وشعبها؟؟!!
من سوء حظي أنني وأنا اتنقل بين المحطات توقفت عند محطة الأقصى، وفوجئت بما أسمع، وبما يُقال، إنه كلام في الحضيض، ووالله إنه لا يليق لا بالشيخ احمد ياسين، ولا بالدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ولا بالقائد اسماعيل ابو شنب، ولا بالمناضل يحيى عياش، لقد سمعت كلاماً يُقال في هذه القناة وبكل جرأة واسفاف: " انت محمود عباس لماذا لا تموت؟ يجب أن تموت؟ لماذا يموت أبناء غزة وأنت محمود عباس لا تموت؟ عليك أن تموت؟ يجب ان تموت".
ولم استطع ان أُكمل سماع ما يُقال حتى لا اكره حركة حماس فلي فيها أصدقاء، وأقارب، وجيران، وما يقال يزرع فيك الحقدَ والضغينة، ولأنني مقتنع أن حركة حماس جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني كما قال الرئيس أبو مازن فإنني لا أريد الاستماع إلى هذه القناة حتى لا نخسر بعضنا. لكنني أيضاً سألت نفسي سؤالاً وجيهاً لماذا الناطقون الرسميون والقنوات ورجال الاعلام يتعمدون اغتيال الرئيس ابو مازن إعلامياً وسياسياً ووطنياً، ولمصلحة من؟ بينما جبهة هؤلاء الاعلاميين إعلامياً مع العدو الاسرائيلي هادئة؟ أليس من حقنا عندما نستمع إلى إي تصريح أو تحليل أوخطاب أن نسأل أين مكانة إسرائيل في خطاب حماس الاعلامي؟ ولماذا لا يتم تسليط السهام الاعلامية عليها بدلاً من توجيه كل السهام إلى ظهر الرئيس أبو مازن؟ بمعنى أوضح من حقنا أن نقول للاخوة في قيادة حماس تذكَّروا أَن إسرائيل هي العدو الاساسي، وأن الرئيس ابو مازن رئيس دولة فلسطين والمُنتخب من شعبه بغض النظر عن الخلاف الذي يحصل في القضايا المركزية والمصيرية فإنه هو الراعي الأول لشعبه، والحامي لقضيته.
ولماذا إصرار قيادة حركة حماس أن ندخل هذه المعركة الحالية مختلفين منقسمين، ولماذا الاصرار على ان نعود الى الانقسام ونطوي صفحة المصالحة؟ ألا يدرك الاخوة في قيادة حركة حماس أن أحد أهم أسباب ودواعي العدوان على قطاع غزة هو ضرب المصالحة الوطنية، والوحدة الوطنية، وضرب حكومة الوفاق الوطني؟! فلماذا إذاً التصعيد والشتائم والتخوين وافتعال الازمة في ظل هجوم عدواني يستهدف المدنيين العزل، والاطفال قبل النساء؟!!
من حقنا أن نختلف في المعالجة لما يحدث لأنه كان ممنوعاً علينا ان نفكِّر معاً بما يخدم شعبنا ويوقف نزف الدم؟ نحن في حركة فتح أسَّسنا المقاومة، واسهمنا بدعم حركات التحرر في العالم، والمقاومة بكل أشكالها هي حق من حقوقنا المشروعة، لكن من حقنا أن نختار، وأن نفكِّر، وان نقدِّر الامور، وان ندرس موازين القوى، ومن حقنا أيضاً أن نفعِّل دورنا على الجبهة السياسية والدبلوماسية والاعلامية، ومن حق الرئيس أبو مازن ان يخوض معركته لكسب العالم إلى جانب شعبنا بوجه العدوان الإجرامي البري والبحري والجوي، وبوجه القذائف والصواريخ التي تطارد عائلاتنا من شقة إلى أخرى، ومن مبنى إلى آخر، ومن حيِّ إلى حيٍّ آخر، ومن حق الرئيس ان يحدد الخيارات السياسية التي تضمن وقف نزيف الدم، في القطاع، وأن يتوجه إلى الامم المتحدة، وإلى مجلس الأمن، وإلى مجلس حقوق الانسان، وإلى محكمة الجنايات الدولية، ومن حقه أيضاً أن يستمع إلى صراخ الاطفال والامهات والآباء بين الدمار، ونزيف الجرحى، وثلاَّجات الشهداء، وهذا الامر يعني الرئيس مباشرة ويهمه اكثر من غيره لأنه رئيس الشعب والشعب سيعتب عليه. إنَّ الرئيس أبا مازن يتعاطى مع ما يحصل كمؤتمن على شعبه وعلى قضيته، وليس كمسؤول فصيل يسعى إلى كسب مكاسب حزبية ضيقة، أو مصالح شخصية ، او خدمة اجندات إقليمية.
إن الرئيس أبو مازن كان واضحاً منذ البداية بأنَّ هدفه وقف العدوان حتى لا يدفع شعبنا ثمن معادلاتٍ وحساباتٍ اقليمية ودولية لا تعنيه، من أجل أن ينزف الدم المبارك في مكانه ووقته المناسب، وحتى لا نعطي العدو الاسرائيلي الفرصة الثمينة لإشباع غريزته بالإبادة البشرية وارتكاب المجازر.
وحتى نكون واضحين فإن هناك إطاراً فلسطينياً مركزياً هو الذي يحاسب ويوجِّه الرئيس ابو مازن، والرئيس لا يستطيع أن يجنِّد نفسه لخدمة أهداف ومصالح هذه الدولة او تلك، هذا الفصيل أو ذاك، هذا النهج أو ذاك النهج، الرئيس ملتزم بالنهج الفلسطيني المستند الى قرارات المؤتمرات المركزية، وإلى وثائق المصالحة الوطنية والوفاقية، وهو فوق ذلك يستمع الى شعبه جيداً، ويعرف كيف يضع الاولويات لأنَّ كلَّ الذين يخوضون المعركة على غزة لهم حساباتهم الخاصة الدولية والاقليمية قبل الفلسطينية، أما الرئيس ابو مازن فله حساباته الفلسطينية أولاً وقبل كل شيء، وهو لا ينتظر الرضى من هذا الطرف أو ذاك، وهو من قاوم الانقسام، وخاض معركة طيِّه وتحطيمه من أجل تكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية، وفعل المستحيل من أجل ذلك، ولكن للأسف فإنَّ الانقسام عاد اليوم ليُطلَّ برأسه من جديد عبر ما يجري على أرض الواقع، وعبر الاعلام التحريضي، والقنوات التي لا تُحرِّم ولا تُحلل، ولا تُقدِّر المواقف والمصالح الوطنية العامة.
وأخيراً فإننا نؤكد اليوم ومن خلال العدوان الهمجي على قطاع غزة وقبلها على الضفة الغربية، بأن العدو الاسرائيلي يريد إعادة قطاع غزة الى الانقسام بعيداً عن الضفة الغربية ، يريد القطاع دولة قائمة بحد ذاتها، وهو يعتبر ان الرئيس ابا مازن شكَّل العقبة الكأداء امام هذا المشروع الجهنمي وهو مشروع شارون، ويعتبر ان الرئيس محمود عباس أحد اركان مدرسة الرمز ياسر عرفات وهو الذي استطاع ليَّ ذراع نتنياهو، واستطاع قصم ظهر الاحتلال عندما تمكَّن من اعلان انهاء الانقسام، والتمسك بالمصالحة الوطنية، هناك في مخيم الشاطئ في قطاع غزة ، ولذلك نتنياهو يُدفِّع الشعب الفلسطيني ثمن موافقته على الغاء الانقسام، كما انه يريد اليوم ليَّ ذراع الرئيس ابو مازن، وتحطيمه بما يمثل من طموحات، وايجاد الارباكات الداخلية السياسية والامنية من اجل تشويه شخصيته الوطنية.
والسؤال هو لماذا تريد حركة حماس أن تخوض معركة تشويه الرئيس ابو مازن في الوقت ذاته، وبشكل واضح، ولماذا هذا الاصرار؟!!!
وعندما يرى الرئيس ابو مازن السهام تنطلق إلى ظهره من الجانب الاسرائيلي ومن جانب الاخوة الاعزاء رفاق الدرب والمصير قيادة حركة حماس، فهل يجوز ذلك في علم السياسة و العمل الوطني؟؟!!
ونقولها بصراحة نحن في حركة فتح نصرُّ على تدمير الانقسام مهما كلَّف الامر لأنه مشروع اسرائيلي، كما نصرُّ على تكريس الوحدة الوطنية النقية والشاملة والجامعة والواضحة لأنَّ فلسطين في خطر، ولأنَّ شعبنا في الداخل تحت الخطر وفي قلب النار، ونحن متمسكون بقائدنا الرئيس أبو مازن خليفة الرمز ياسر عرفات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها