العدوان الإسرائيلي على شعبنا الذي بدأ في الثاني عشر من حزيران الماضي بداية من الخليل وصولاً إلى كل مدن وقرى الضفة ثم القدس بكل أحيائها ثم قطاع غزة في اليوم الحادي عشر، هذا العدوان دخل منذ فجر الجمعة أمس المرحلة الثالثة، ويتطور إلى مرحلة رابعة وخامسة إذا لم يتوقف.
لماذا بدأت إسرائيل هذه الحرب؟ إسرائيل لم تبدأ الحرب بسبب الصواريخ – كما تدعي – فعندما أفشلت إسرائيل المفاوضات في نيسان الماضي لم تكن هناك صواريخ، وليس بسبب المخطوفين الثلاثة الذين وجدت جثثهم بعد ذلك في مكان قريب من منطقة اختطافهم الذي ما زال غامضاً، ولا نتحمل عنه أية مسؤولية، ولم يتبنه أحد من الفصائل الفلسطينية حتى هذه اللحظة، وهذه الحرب لم تخطط لها إسرائيل بسبب الانفاق، لا الأنفاق مع مصر، ولا الأنفاق داخل القطاع وعلى خطوط التماس مع إسرائيل، فهذه الأنفاق كانت دائماً موجودة، وإسرائيل تعرفها وتراقبها باستمرار بل إن إسرائيل هي التي بدأت لعبة الأنفاق.
إذاً، إسرائيل خططت لهذه الحرب الدموية ضد مشروعنا الوطني، لأن هذا المشروع تقدم كثيراً في العامين الأخيرين على الصعيد الدبلوماسي، وموقع فلسطين في الأمم المتحدة كدولة مراقب، دولة تحت الاحتلال، وتدعيم هذا الإنجاز بعضوية العديد من المنظمات الدولية، ومن ثم الإنجاز الصاعق بالنسبة لإسرائيل وهو سقوط الانقسام وإنجاز المصالحة بداية بتشكيل حكومة وفاق وطني، وانفتاح هذه الإنجزات نحو المزيد، نحو الأفق الأساسي وهو إنهاء الأحتلال، حيث أن الاحتلال هو الخطيئة الأصلية، وما دام موجوداً فإن معطياته وتداعياته سوف تستمر بأشكال عدوانية متعددة، والاحتلال الإسرائيلي بإجماع القوى الإسرائيلية لا يريد ذلك، لا يريد تقدم المشروع الوطني، ولا يريدنا أن نحصل على الحماية الدولية كدولة فلسطين، ولا يريد استكمال استقلالنا الوطني، ولا يريد تفعيل حضورنا في محكمة الجنايات، واتفاقيات جنيف الأربع، ولا يريد مؤتمر دولياً بمعطيات جديدة، ولا يريد تصاعد هذه الحالة من الوحدة التي جسدها شعبنا في الوطن والمنفى، في غزة والضفة والقدس وداخل الخط الأخضر، بل يريدنا ممزقين، وأن نظل نأكل بعضنا تحت الصيغ الساقطة أخلاقياً ووطنياً للإنقسام، وأن نظل "حاكورة" بلا سياج أمام تدخلات المتداخلين من هنا وهناك.
وعندما تحركت الشرعية الفلسطينية ممثلة بالرئيس أبو مازن لوقف هذا العدوان كأولوية أولى، كان سقف هذا التحرك هو كل ما ذكرته، وهو أعلى ألف مرة من مزايدة المزايدين سواء داخل الساحة الفلسطينية وخاصة في حماس أو بعض الأطراف الإقليمية التي تريد أن تدخل على الخط بسقف منخفض جداً، يقتصر على لعب بعض الأدوار، أو تغيير الأدوار، فما هي المنفعة التي تعود علينا من وراء هز الدور المصري، أو إضعاف الدور المصري أو إحلال أطراف أخرى لتحل بدلاً من الشقيقة مصر أو المنافسة معها؟ وإذا سألنا بشجاعة، هل الذين يطمون بلعب دور يخدمون مصلحتنا؟ هل يخدمنا أن يكون دمنا المسفوح بغزارة على طاولة التفاوض بشأن الملف النووي الإيراني؟ هل يفيدنا أن تكون أشلاء أطفالنا هي مادة الدعاية الانتخابية في الانتخابات التركية؟ وهل قطر مهما بلغت ومها ادعت قادرة على الحلول بديلاً عن مصر؟ إن حقائق الجغرافيا السياسية، ومعطيات المصلحة الفلسطينية، ومعطيات الأمن القومي المصري والعربي ضد كل هذه التفاهات والطموحات غير المشروعة والرهانات الساقطة.
إسرائيل تدخل بالعدوان إلى المرحلة الثالثة، اجتياح شامل للضفة والقدس، ثم مرحلة القصف براً وبحراً وجواً على قطاع غزة، ثم بدء مرحلة العمل البري، بتهجير عشرات الآلاف من شمال وشرق القطاع إلى المركز لمزيد من تفاقم المشكلة تحت عنوان البحث عن الأنفاق ومنصات إطلاق الصواريخ وهكذا.
إذاً السقف الذي تطالب به وتهدف إليه الشرعية الفلسطينية أعلى ألف مرة من هذه المماحكات التي تطالب بها بعض القوى الفلسطينية وخاصة حماس، وبعض الأطراف الإقليمية.
دمنا أغلى ألف مرة، ومشروعنا الوطني أهم أرقى ألف مرة، وبالتالي يجب وقف هذا العدوان، ووقف هذه الحرب الدموية، ويجب أن نضبط مصطلحاتنا السياسية والإعلامية، حتى لا نغرق في التيه ولجج الخلاف، فإسرائيل حصلت على شهادة ميلادها من مجزرة دير ياسين، وبنت دولتها من خلال عربدة وإرهاب الاستيطان، وبالتالي فهي تجسد حقيقتها، وليس في كل مرة سنعيد اكتشاف إسرائيل، فإسرائيل هي الخطيئة الأولى، وإسرائيل هي العدو المحتل، وإسرائيل هي نموذج الإرهاب والعدوان، والمهم كيف نمضي قدماً في الخلاص من هذا العدو، بإنهاء الاحتلال، والمفروض أن لا يكون لنا على المستوى الفلسطيني أولوية غير إنهاء هذا الاحتلال، وإنهاء الاحتلال وليس تغيير شكل الاحتلال وليس التعايش مع الاحتلال، بل إنهاء الاحتلال، وقاعدتنا الأهم في ذلك صيانة وحدتنا الوطنية، والأنضواء تحت سقف مشروعنا الوطني، وليس الضياع في الأجندات المتناقضة في الإقليم من حولنا، فنحن نرى بأعيننا كيف قادت هذه الأجندات الهابطة إلى تدمير هذه المنطقة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
مشروعنا الوطني في ذروة الاشتباك!/ بقلم يحيى رباح
19-07-2014
مشاهدة: 804
يحيى رباح
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها