طرحت حركة حماس عشرة شروط للموافقة على هدنة مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، من يقرأها، يعتقد، ان الفصائل في محافظات القطاع تمكنت من هزيمة إسرائيل؛ وان موازين القوى إختلت لصالحها؛ وباتت المعادلة الفلسطينية الاسرائيلية مغايرة لما كان عليه الحال قبل السادس من يوليو الحالي، وأمست دول الاقليم والقوى الدولية في موقع الاقرار والقبول بانتصار فصائل المقاومة!؟
مما لا شك فيه، ان صمود الشعب الفلسطيني، وتمكن الفصائل من مواصلة إطلاق قذائفها على البلدات والمدن الاسرائيلية، يعتبر مكسبا فلسطينيا؛ ولكن القراءة الموضوعية المسؤولة، تؤكد، ان موازين القوى مختلة بشكل فاضح لصالح إسرائيل، وليست العكس؛ كما ان دول الاقليم العربية والشرق اوسطية الاسلامية والاقطاب الدولية، لم تغير قراءتها لخارطة المنطقة ولا لموازين القوى فيها؛ وإسرائيل الصهيونية، لم تهزم، ومازالت القوة الأبرز في المنطقة والاقليم، والحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة. وبالتالي المنطق البديهي في الصراع، مطلق صراع بين اي قوتين في العالم، وفي أي زمن من الازمان، يقول، ان المنتصر، هو من يفرض شروطه، والمهزوم، هو من يعمل على تقليص وتخفيض قيمة الاثمان التي سيدفعها.
بناءً عليه، في القراءة الشكلية المجردة لشروط حركة حماس، تعتبر شكلا من اشكال المساومة الايجابية، لتقليص أعباء وتداعيات الهدنة الجديدة، ولتجاوز سلبيات هدنة نوفمبر 2012، التي وافقت عليها حماس تحت رعاية الرئيس المعزول محمد مرسي. ولكن بالقراءة الموضوعية، وبالتدقيق في المعطيات الراشحة من مصادرحماس وجماعة الاخوان وقطر، فإن طرح الشروط العشرة، فالهدف منها، يتمثل في: اولاً: إدعاء تحقيق نصر ليس له اساس؛ ثانياً: الالتفاف على المبادرة المصرية، وقطع الطريق على جهود الشقيقة الكبرى، وتعميق عملية التحريض عليها في الشارع الفلسطيني والعربي؛ ثالثاً: فتح الباب امام حلفائها القطريين والاتراك للعب دور في العملية السياسية؛ رابعاً: إعطاء إسرائيل الضوء الاخضر للشروع بعمليتها البرية، لمواصلة عملية الذبح للشعب الفلسطيني في محافظات الجنوب، وتبرير حربها المسعورة؛ خامساً: التمهيد لاستعادة خيار الامارة على حساب الوحدة الوطنية، ولعل المراقب لحملة التحريض المجنونة، التي تشنها حماس على القيادة الفلسطينية، ولجوئها مؤخرا لفرض الاقامة الجبرية على مناضلي حركة فتح، يشير بوضوح إلى ما تهدف اليه جماعة الاخوان في فلسطين؛ سادساً: التساوق مع ما يجري ترتيبه للمنطقة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
بالتأكيد لا أحد في الساحة الوطنية ضد تحقيق اي إنجاز سياسي لصالح الشعب الفلسطيني عموما وفي محافظات الجنوب خصوصا، الجميع مع رفع الحصار الظالم، ومع فتح المعابر وفق الاتفاقيات المبرمة سابقا، ومع اعادة بناء المطار والميناء البحري، والافراج عن اسرى الحرية، وتوسيع نطاق المياه الاقليمية امام البحارة الفلسطينيين، ووجود حماية دولية للشعب الفلسطيني على كل الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتوسيع دائرة التسهيلات على الارض ومع دول الجوار، والوصول لكل الاراضي الفلسطينية دون قيود وفتح الممر الامن وليس فقط للصلاة في المسجد الاقصى. ولكن ألم يلحظ اي مراقب موضوعي للشروط، انها اولا طرحت بعيدا عن التنسيق مع القيادة الشرعية؛ وثانيا لم تربط بين الهدنة والحل السياسي الكامل، أي خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وثالثا قصرت الامر على حسابات ضيقة، وذات مردود فئوي.
طالما تعتقد حركة حماس، انها في موقع القادر على فرض الشروط على دولة الارهاب الاسرائيلية المنظم، لماذا لم ترفع من مستوى ومنسوب شروطها، وتطالب بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967؟ لانها ليست معنية بخيار الدولتين، ولا معنية بالحل السياسي الشامل، وجل اهتمامها وتركيزها محصور في الحسابات الفئوية الضيقة؛ وكونها أساسا تعلم ان شروطها، لم تطرح للتنفيذ بل كما اشير آنفا للالتفاف على مبادرة مصر العربية وباقي الاهداف، التي ذكرت ومعها سحب البساط من تحت اقدام القيادة الشرعية لمنظمة التحرير، وها هي تفتح الباب امام الحرب البرية الاسرائيلية، لتستكمل قوات الاحتلال حربها المسعورة على ابناء القطاع، وحتى يرضى الدكتور بشارة واميره تميم والتنظيم الدولي للاخوان المسلمين ومن لف لفهم.