كان المرء يتمنى على الدكتور عزمي بشارة، ان يلزم الصمت، وألا يدلي بدلوه في موضوع الهدنة المصرية، لا سيما وانه سيجانب الصواب، كونه مستشارا للامير تميم، امير قطر، وايضا لانه وضع نفسه في خندق الدفاع عن جماعة الاخوان المسلمين.
لكنه ملزم بالدفاع عن منطق ولي نعمته، لذا انبرى يوم الثلاثاء الماضي في لقاء مع فضائية الجزيرة القطرية في حملة تشويه مقصودة ومتعمدة للمبادرة المصرية، مسيئا لموقف القيادة المصرية، قالبا الحقائق رأسا على عقب. ولتوضيح الحقيقة، واماطة اللثام عن مثالب الدكتور عزمي، يمكن العودة لما ذكره من مواقف لا تمت للحقيقة بصلة، ومنها:
اشار بشارة إلى ان المبادرة المصرية بالهدنة "فجأة"!؟ والحقيقة، ان القيادة المصرية اجرت الاتصالات بصمت مع القيادة الفلسطينية، وعرضت مشروع مبادرتها على حركة حماس من خلال تسليم المبادرة لموسى ابو مرزوق، وايضا ناقشت الموضوع مع الدكتور رمضان شلح، الذي زار مصر سرا يوم الثاني عشر من تموز الجاري، وكانت الهدنة المقترحة لاربعين ساعة، تناقش خلالها المواقف والنقاط بين الطرفين. وبالتالي لم تكن المبادرة المصرية مفاجئة، وانما معلومة لدى الاطراف كلها.
لكن الذي جرى ان التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ومعلمي بشارة في الدوحة وانقرة طلبوا من حماس ان ترفض المبادرة من حيث المبدأ. لا سيما وان رئيس جهاز المخابرات القطرية كان موجودا في اسرائيل لاجراء محاثات حول الهدنة، المرتكزة لهدنة تشرين الثاني 2012؛ وايضا لابتزاز مصر، وتحقيق مكاسب تعزز منطق الامارة على حساب المصالحة الوطنية؛ والالتفاف على انجازات ثورة الثلاثين من يونيو 2013؛ ولمحاولة إعادة الامور لما كانت عليه قبل ثورة يونيو.
ثم يشير الدكتور بشارة، إلى وجود اتصالات وجهود دولية مكثفة متقدمة لابرام التهدئة، تضمنت" تلبية شروط المقاومة"، ويضيف "لكن تغير الامر مساء الاثنين، وتفاجأنا بالمبادرة المصرية"، معتبرا ان الدور المصري جاء تأكيدا للمطالب الاسرائيلية؟! سقط بشارة في مستنقع التزوير، وافتضح هدفه باتهام القيادة المصرية بما ليس فيها، وهو يعلم ان ما ذكره، يعود على اسياده واولياء نعمته، الذين كانوا موجودين في اسرائيل.
اما مصر كما اشير آنفا، فكانت على تماس مع الاطراف جميعا قيادة شرعية وفصائل واسرائيل، وكان هدفها، وهو هدف القيادة الشرعية: وقف الحرب فورا، وانقاذ رأس الشعب الفلسطيني في محافظات الجنوب من مقصلة حرب الابادة الاسرائيلية. وقد نجحت مصر من خلال طرح مبادرتها للتهدئة في إيقاف توسيع دائرة الحرب الاسرائيلية، والحؤول دون شن الحرب البرية على القطاع.
مصر بالتأكيد ليست بحاجة لمن يدافع عنها، لأن مواقف قيادتها الوطنية والقومية واضحة وجلية منذ لحظة انطلاقتها في الثلاثين من يونيو 2013، ولكن من الواجب والموضوعية إنصافها، ونشر الحقائق دون تزوير، مصر لم تتوافق مع إسرائيل، بل استجابت لاهداف الشعب العربي الفلسطيني، وكان همها وقف المجزرة الاسرائيلية.
كما ان الرئيس السيسي رفض المنطق الاميركي، الذي طرحه جون كيري، وزير خارجية اميركا على سامح شكري، وزير الخارجية المصري، بعقد لقاء ثلاثي (مصري، تركي وقطري بحضور كيري) عشية انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب، وذلك بهدف سحب البساط من تحت اقدام المبادرة المصرية المستقلة، وإعطائها صبغة مشتركة، لكن مصر رفضت ذلك جملة وتفصيلا، واصرت على ان تبقى مبادرة التهدئة تحمل الصفة المصرية الخالصة، ما استدعى كيري، ان يلغي زيارته للقاهرة.
اما عن الجهود الدولية، التي كانت تعمل على تهدئة تستجيب لمطالب المقاومة، فأين تلك الجهود؟ ومن يقف وراءها؟ وهل تسمح الظروف وموازين القوى بتلبية مطالب المقاومة؟ أوليست المقاومة الحقة، هي المعنية بالدفاع عن مصالح شعبها، وانقاذ رأسه من حرب الابادة الاسرائيلية؟ ام ان منطق بشارة القطري التركي والاخواني، الداعي للاتجار بدم الشعب الفلسطيني خدمة لمآرب أداتهم الحمساوية، خاصة وانه اعلن في مقابلته، ان من حق المقاومة ان تختفي، وان على الشعب ان يتحمل التضحيات، اي انه اراد بكل وقاحة، ان تتاجر حماس بدماء الشعب الفلسطيني لتحقيق مآربها واهدافها الخاصة والاخوانية على حساب الدم الفلسطيني المستباح.
يا حبذا لو يعود الدكتور بشارة للحقيقة، ويستعيد عافيته الفكرية والسياسية، ويتذكر ان حبل الكذب والتزوير قصير جدا جدا. والباقي عنده ليقرر ما يشاء بشأن موقعه وموقفه.