امس الاول مرت ذكرى استشهاد ناجي العلي الخامسة والعشرون. نهض الفنان ابن قرية الشجرة من غفوته، ليعلن حضوره الابدي، لانه لن يموت، رغم احتضان مقبرة "بروك وود" الاسلامية في مدينة الضباب، العاصمة البريطانية جسده الطاهر في القبر رقم (230191)

حنظلة ما زال يعلن حضوره اليومي عبر ما تركه للاجيال الفلسطينية والعربية الراهنة والقادمة من ثروة فنية عظيمة، خاطبت، وما زالت تخاطب آلام وآمال الشعوب العربية وخاصة شعبه الفلسطيني.

كان كالرمح متقدا، يقارع على الجبهات كلها. لم يأبه الموت، ولا الخنجر المسموم، ولم يخاف كاتم الصوت، ولا الرصاصة القاتلة. اعلن تماهيه مع الوطن والحرية. رفض انصاف الحلول. لم يطوع عقله السياسي، ولا ريشته الفنية، وترك العنان لحنظلة ليبوح بمكنونات الوطن والتحرر والسلام كما يفهمه هو، لا كما فهمناه نحن في زمن المساومات المبتذلة.

غاص ناجي العلي، ابن مخيم عين الحلوة عميقا في الرواية الوطنية. رسم ملامحها باربعين الف لوحة فنية كاريكاتيرية، ما زالت تنبض بالحياة، وتعيد قص الرواية على كل فلسطيني وعربي من الاخيار الممسكين جمر الحرية.

ارغم ناجي محبيه ومعارضيه على قراءة الصحافة من الصفحة الاخيرة، كل من موقعه، يريد ان يعرف ماذا ابدعت ريشته الرقيقة، وماذا همست فاطمتة عن ثوابتها الوطنية. كانت فاطمة انعكاسا لفلسطين الام المعطاء، حاملة ميزان الوطنية لا تحيد عن البوصلة, ولا تجامل ولم تناور، كانت كلماتها كالسيف القاطع في وجه القيادات الفلسطينية والعربية.

اغتالت يد الغدر الجبانة إسرائيلية او غير إسرائيلية (مع ان صحيفة "يديعوت أحرونوت" في الذكرى الثالثة عشرة لاغتياله، قالت ان الموساد يقف وراء اغتيال الشهيد العظيم ناجي ? وفق ما اورد بشير شلش في صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية-) الفنان المبدع ناجي العلي، سعت لكسر ريشته، وايقاف شخوصها حنظلة وفاطمة وغيرهم عن البوح المتجدد لفلسطين وحريتها وانعتاقها من الاحتلال الاسرائيلي، وكشفها المتواصل عن تواطأ حكام العرب مع اعداء الامة وفلسطين. غير ان القتلة فشلوا في تحقيق هدفهم، واستمر ناجي بما انتج وابدع من لوحات فنية يخاطب فلسطين ودول وقادة العرب من الخليج الى المحيط، وواصل حنظلة المسيرة، وما زال فتيا, لا يخشى قول الحقيقة لان سيوف القتلة تنصلت، وطلقات كواتم الصوت ارتدت على مطلقيها.

جسد ناجي النحيل اقوى من موتهم الاسود. وبرودة لن تطفئ حرارة نار حنظلة. مضت خمسة وعشرون عاما على رحيل ابن قرية الشجرة الجليلية, وما زال حيا بين الاحياء يعيد بناء لوحاته الصادمة لوعينا المتهافت، يدق ابواب عقولنا، ويهز شجرة الذاكرة, يستحضر الاحداث والتاريخ ويدق جدران الخزان الوطني والقومي، ليؤكد فشل رهاننا على العم سام، راعي البقر وخادمه يشع في بناء مدينة شبه فاضلة في ربوع الارض الطيبة، لانهم لم يرتووا من دمنا الازرق، وكون قناديلهم لا تضاء إلا بنفطنا، ولان ثرواتهم لا تتضخم إلا بنهب خيراتنا وامتصاص لحمنا وعظامنا قبل ان يلقوا بها للكلاب الظالة والوحوش الكاسرة.

انتصر ناجي العلي وفشلنا.. نام حنظلة قرير العين.. ولم ننعم ببعض ما حلمنا ونحلم.. ما زال الكنعاني يتقلب على جمر الوجع ومرارة الهزيمة تلو الهزيمة، يئن من شِّدة ألم سكاكين يهوا كهانا وليبرمان، التي تنخر الجسد الذبيح.

لم يستسلم العلي في قبره اللندني، ولم ينأى بنفسه عن رواية الشعب، مساء صباح ينادي باعلى الصوت، أن استيقظوا من سبات اوهاومكم، انفضوا غبار الهزيمة، واحملوا سواعدكم وافتحوا دروب الحرية امام عقولكم, لان تاجر البندقية يريد رؤوسكم جميعا دون استثناء، لا توغلوا في الانقسام وحساب الغنائم التافهة. فلا غنائم دون حرية, ولا مآذن دون رفع الأذان, ولا صلاة في الكنائس دون اجراس تدق, ولا فكر دون عقول نيرة طليقة, ولا بيت عامرا دون حارس امين، ولا رواية ودولة دون سواعد الحالمين من الكنعانيين والعرب العاربة من الماء الى الماء.

سلاما يا ناجي العلي عليك يوم ولدت. . ويوم مت. . وصيتك ماثلة باقية امام ناظرينا. . تنتظر ازالة الغشاوة. . ونهوض اهل الكهف الكنعانيين من سباتهم, وعما قريب سيرفع الأذان في المساجد، وتدق اجراس الكنائس ومن خلف الجدار والحجارة ووديان وسهول وجبال وسهوب الارض الطيبة سينادي المنادي لصلاة الارض والوطن, وسترفع الراية عالية خفاقة, وتتوهج نور الرواية كما خطها الاولون من الشهداء بدمهم لتكتب من جديد سفر السلام كما يليق بالاباء والاجداد والاجيال الصاعدة.