يعلم نخبة المتابعين للواقع وللمشهد الوطني الفلسطيني، بحرفية ومهنية إنه بمقدار ما يتألق به السيد الرئيس أبو مازن رئيس الدولة الفلسطينية العتيدة، وطنيا وداخليا وخارجيا بمقدار ما يتراجع البعض ويتقوقع, وبمقدار ما يبادر سيادته لمد يد الإخوة بمقدار ما يسارعون لطعنه ومهاجمته إعلاميا ومعنويا واستهدافا له، والزمن والتاريخ كفيل بأن يضع النقاط على الحروف، وأعتقد إن ما نسمعه حاليا من الكثير من النخب المثقفة والواعية وفي الشارع الفلسطيني، بأن هناك إدراكا حقيقا لما يدور وهناك تشخيصا واقعيا للمواقف الصحيحة والخاطئة والأساليب الإعلامية الرخيصة، حيث أثبت الوطني وطنيته من خلال أقواله وأفعاله وقد أثبت البعض عكس ذلك والأيام القادمة كفيلة بأن تنزع ورقة التوت عنهم  .

لم يكن ظهور الزعيم الفلسطيني أبو مازن كقائد سياسي وطني برهن على خبرته وحنكته وذكائه في العمل الوطني مفاجئا على واجهة الأحداث فهو سليل مجدين تاريخيين فلسطينيين، المجد الفدائي الثوري والمجد السياسي المؤسساتي، ففي الأولى هو أب الشعب الفلسطيني وأخ الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات ووريث تضحيات الآلاف من شهداء وجرحى وأسرى من شعبه ضد الظلم والطغيان والاستعباد والاستبداد الصهيوأمريكي, وفي الثانية هو السياسي ورجل العمل المؤسساتي على مر مراحل تأسيس الوطن الفلسطيني الحديث  .

يلعب الرئيس اليوم دورا بارزا في العملية السياسية والمشهد الوطني الفلسطيني، فهو رجل الاعتدال الأول من خلال مبادراته المستمرة وأطروحاته النيره، فهو أول من دعا إلى طاولة الحوار لحل جميع القضايا الوطنية السياسية المختلف عليها، وهو أول من نادي بالشراكة الوطنية وتبناها وأكد على أن لا تهميش ولا إقصاء لأي مكون سياسي، وشدد بقوله " نحن حريصون كل الحرص على أن لا نعود إلى الوراء، نحن أبناء الحاضر والمستقبل الفلسطيني، ونجد إن مستقبلنا وعزتنا وكرامتنا، في وحدتنا وشراكتنا وتلاحمنا الحقيقي وانفتاحنا على جميع الفلسطينيين  ". فعهدناه يتعالى على الجراح دوما ويدعو لتوحيد الصف الوطني الفلسطيني، رغم كل ما حدث ويحدث، كيف لا وهو من تربي في المدرسة الوطني الثورية الفتحاوية وجنبا إلى جنب مع الشهداء البررة أبو عمار والكمالين وأبو يوسف النجار وسعد صايل وفيصل الحسيني والوزير وخلف، وهو دائما وأبدا يحتضن الثوار الأحرار، فأرتشف من الفتح عبقها المعطاء، فطوبى لك أيها المجاهد الجسور والفلسطيني الغيور   .

نعم لقد أثلجت قلوب الوطنيون الشرفاء الأحرار في هذا الوطن بعد إن إعتصرها الألم ، نعم لقد أثلجتها عندما أعلنت إنك لن تحيد عن المبادئ والثوابت، مهم هددوك الإسرائيليون ومن والاهم، ومهما استهدفوك أعداء الإنسانية فإنك ماضي بعون الله في تحمل المسؤوليات الجسام التي تعصف بالوطن وشعبه المظلوم   .

عهدناك وعهدك شعبك أيها الرئيس المجاهد لم ولن تتراجع وستبقى صوتا مدويا في سماء الوطن ، لقد عرفناك وخبرناك من قبل لم تأخذك في الله لومة لائم ولم تداهن أحدا ومضيت ولم تتردد في مواجهة تعنت الاحتلال، وكنت خير مدافعا عن الثوابت الفلسطينية .

نعم لقد عرفناك من قبل كما عرفك العدو والصديق والمحب والمبغض قويا وصلبا في الشدائد لم تتردد في نصرة وطنك وقضيتك وشعبك المكافح، ولم تتردد ولو للحظة واحدة في مقارعة زعماء الصهاينة ليبرمان وباراك ونتياهو وزبانيتهم.

نعم أيها المجاهد ليعلم ليبرمان وغيره من المجرمون إنك لن تكون لقمة سائغة وأن التعالي على الجراح هو من أجل الوطن والشعب، فلن يعطي شعبك ومحبيك لهؤلاء المجرمون القتلة فرصة العودة والتسلط على رقابهم من جديد نعم لقد أحببناك أيها القائد أبو مازن، ووثقنا بك وأئتمناك على مسيرتنا ومشروعنا وقضيتنا الوطنية المقدسة، فأنت أهل لذلك لما جمعته من ملكيات القيادة وصلابة الموقف وحكمة اتخاذ القرار والمصير ودراية بقدرتنا مقابل إمكانيات العدو، وشجاعة لا حدود لها حينما يتعلق الأمر بالثبات والمواجهة مقابل نبع من المشاعر والأحاسيس الإنسانية تجاه المحرومين والضعفاء والمعذبين في الوطن الفلسطيني، وحتى المرضى والشيوخ وكبار السن والأطفال والنساء والطلبة والعمال والفلاحين من أبناء شعبنا الفلسطيني، لكل ذلك أحببناك وسنفديك بأرواحنا أبا مازن.

عندما أستشهد أخاك ياسر عرفات حبيب الشعب الفلسطيني كان لابد من اختيار من يحمل الراية ويواصل المسيرة وعلى نفس الدرب، ومن هنا أيضا كان الاستنهاض الفت حاوي الكبير وهذا الإجماع التنظيمي في كافة الأطر الحركية من المركزية إلى المجلس الثوري وصولا إلى كافة الأقاليم التنظيمية والمكاتب والمؤسسات والنقابات الحركية والتي صوتت جميعا لأب مازن فيما يشبه البيعة لهذا الرجل فكان بحق خير خلف لخير سلف.

أنت قائد الشعب الفلسطيني بشيبة وشبابة ونساءة وأطفاله وأنت ربان السفينة الفلسطينية، شاء من شاء ليبرمان وغيره وأبى من أبى، فأنت من تقود فلسطين وشعبها إلى بر الأمان بالرغم من العواصف الهوجاء العاتية، والمواج المتلاطمة في الساحة الفلسطينية، فكم من أزمات وعقبات ومنعطفات خطيرة عصفت في الساحة الفلسطينية، فتجاوزتها بحكمتك ويقظتك وصلابتك وفطنتك السياسية القوية في أحلك الظروف وأصعبها، عندما كانت تحبس الأنفاس، وتعز الرجال، فأصبحت بصيرتك ثاقبة تؤكدها وقائع التاريخ وواقع الحال، كيف لا وأنت  القائل دوماً وحدتنا رمز عزتنا "وبالوحدة الوطنية نختصر الكثير من الألأم والتضحيات ونبني دولة المؤسسات ".

لقد أثبتم يا أبو مازن للقاصي والداني أنكم وقيادتكم وشعبكم طيلة تاريخ نضالكم الطويل والمرير إنكم تستحقون بجدارة كل الاحترام والتقدير لما بذلتموه وتبذلوه من جهد متواصل وشاق من أجل الدفاع عن حقوقكم وثوابتكم الوطنية المقدسة وعدم التفريط بها أبدا، على هذا الأساس فليس أمامكم أنتم وشعبكم وفصائلكم وأحراركم وشرفائكم ومناضليكم وثواركم، إلا أن تستجمعون كل عناصر القوة فلسطينيا وعربيا  لمواجهة تحديات المرحلة القادمة واستحقاقاتها على أساس الثابت وهو إقامة دولتكم المستقلة  فلسطين وعاصمتها القدس الشريف وحق عودة ألاجئين إلى ديارهم الأصلية، ضمن الثوابت لهذه المرحلة التاريخية العالمية وهي الثوابت المتعلقة بالأرض والاستيطان والقدس وعودة النازحين إلى ديارهم وحقوقهم في مواردهم الطبيعية وخاصة المياه والغاز والحرية والاستقلال المتكافئ.

يجب أن يدرك الجميع وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني وباراك وليبرمان وزبانيتهم، إنه وفقا لحرية وحقوق وكرامة الفلسطيني يتقرر 'السلم واللاسلم'، 'العنف أواللاعنف'، إكتمال المعادلة الإقليمية أو عدم اكتمالها.

ففلسطين بكلها بشعبها وقيادتها وحكومتها وفصائلها لابد وأن يقفوا كلهم صفا واحدا وجسدا واحدا لمواجهة هذه التحديات الجاسمة أمامهم من العدو الصهيوني والإمبريالي العالمي، والعمل سوية بروح الوطن الواحد, فهكذا هي الأخلاق الفلسطينية، وهكذا هي صفات شعب فلسطين العظيم, الشعب الذي صفحات تاريخه وحضارته منذ مئات السنين أثبتت وتثبت إنه شعب الجبارين لا يقبل إلا أن يكون رقم صعب وفوق القمة دائما, أهل الكرم والحمية والنخوة والنشامى.

لذلك لا نبالغ إن قلنا إننا نعول على القيادة الفلسطينية وعلى رأسهما الرئيس "أبو مازن" ونقول يا "أبو مازن" إعقل وتوكل وأمضي بشعبك وقضيتك نحو بر الأمان وإعلنها يا زعيم وتوكل على الله ولا تخاف بالله لومة لائم, ولن تجد من أحرار الوطن وشجعانه ومناضليه إلا كل دعم  ومساندة بقول وعمل.

كن واضحا جليا يا أبو مازن وأرفض الظل وأشباه الرجال الذين يسكنوه دائما, فهذه ساعة يظهر فيها معدن الرجال الحقيقي, هذه الساعة التي حين أتت سابقا سطرت أسماء خُلدت إلى الأبد, فلا تترك هذه الساعة تمر عليك يا أبو مازن دون أن تُخلد فيها عملا وفعلا, فالأرض التي أنجبت "أبو عمار والشقاقي ووالشيخ ياسين وأبو على مصطفى والنجاب وأبو العباس وحيدر عبد الشافي" أمثلة لا حصر لها, هي أرض فلسطينية ولادة لن تكون عقيمة أبدا, ما إعتادت إلا إن تنجب أبطالا.

لذلك فمن الأساس هنا التركيز على التكامل والتنسيق فيما بين القيادة والشعب والفصائل الوطنية في نطاق دوائر الوضع الذاتي جميعها، ومنها الاتفاق التاريخي للقوى الوطنية والإسلامية، حيث يجب أن لا تتضارب المجهودات أو تتناقض أو يكون بعضها على حساب البعض الآخر، فليس من حق أحد هنا أن يقع في الخلل، وليس من حق أحد هنا وهناك أن يضعف وتائر الصمود والتحدي ورص الصف الوطني الفلسطيني، وليس من حق أحد أن يخل بمسيرة الوصول إلى هدف أقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحق عودة ألاجئين المسحوقين هنا وهناك.

إن الخطر ما زال ماثلا أمامكم يا قائد المسيرة الفلسطينية، وإن حلقات المؤامرة ما زالت مستمرة ليس على صعيدكم الخاص، بل على كافة الأصعدة داخليا وخارجيا، وقد أصبحتم فعلا على شفير هذه المواجهة بغض النظر عن التسميات، وعن آفاق الرؤية لما يحدث أو ما يمكن أن يحدث تاريخيا.

ومما لا شك فيه أن مدى ما تمسكون به من استحقاقات في الأرض والاستقلال، في تحرير الإنسان والأرض هو الأساس لميزان قوتكم المضافة إلى قوة الروح الفلسطينية.

لذلك يحاول الاحتلال أن يشل قواتكم وأن يضعفكم على كل المحاور لأن ذلك هو الكفيل بالانتقاص من أجل الإنجازات المحتملة لكم، وزيادة ما يستولى عليه من حقوقكم.

إن الوحدة الوطنية هي الأساس كما تقول وتؤكد دائما يا قائد المسيرة، وينبغي أن تبقى الأساس وخندق صمودكم.

لقد كان خطابكم يا سيادة الرئيس أبا مازن في الأمم المتحدة في نيويورك لتقديم طلب الشعب الفلسطيني لإعلان دولتهم الفلسطينية المستقلة، ضربة قصمت ظهر البعير الإسرائيلي وصدمة أصيب بها أعداء الشعب الفلسطيني لما لها من أهمية اتجهت كل أنظار العالم الحر والديمقراطي وطالبت بعد هذه الكلمة لضرورة إعطاء الفلسطيني حقه المقدس التي أقرتها له كل الأعراف والقوانين الدولية.

إن الدولة الفلسطينية ليست 'هبه أو منه' من أحد، وإنما هي حق للفلسطينيين معترف بها عالميا ودوليا وعربيا، فلقد اختارت القيادة الفلسطينية طريق السلام في ظل اختلال موازين القوى، ولكن هذا لا يعنى إن قيادة الشعب الفلسطيني في موقع تستطيع الحكومة الإسرائيلية أن تملي عليهم شروطها أو تفرض عليهم التخلي عن حقوقهم، لأنهم عندما خاضوا معركة السلام، كانوا يفهمون جيدا ماذا تعني وعلى ماذا ترتكز وإنها ليست عنوان مجرد، وإنما هي حالة إنسانية وجوديه وحياتية، لأنها تقوم على مرتكزات في الفكر والذات والواقع والوجدان.

نحن نثق أن صمودكم وتضحياتكم ستنتصر، ولكن بوحدتكم الوطنية ستختصرون الكثير من التضحيات وستساهمون في اختصار الوقت وتعزيز النتائج.

لهذه الأسباب وغيرها يستهدفونك يا قائد المسيرة والأب الحنون للشعب الفلسطيني لأنك خير خلف لخير سلف 'يراها الإسرائيليون بعيدة ويراها الفلسطينيون قريبة وإن الفلسطينيون لصادقون'.