فتح ميديا/ لبنان - خاص مجلة القدس

ان الإعلام المطلوب أو المرغوب باعتقادي (وهذا يرتبط بالفكر والأهداف والقيم والسياسات والمنهج الحاكم والضابط،، وهو هنا ذو الطابع المدني الوطني الحضاري العروبي الإسلامي المنفتح كأهداف) يتضمن عدة أسس من المهم التعرض لها :

 

أولا: إنه إعلام الجماهير

من خلال تبني مطالبها وفي المقابل (يوفر لها المعلومات التي تشكل القناعات) لا سيّما أن وسائل الإعلام تصرخ وتعدّل وتبلور الكلمة والصورة ثم تروجها، وقد تضللها بقوة الآلة الإعلامية اليوم.

إن إعلام الجماهير هو إعلام حاجات الناس الحقيقية، وليس تلك الحاجات التي تروّج لها الدعاية السياسية (والمأخوذة من الترويجات والتسويقات التجارية) على أنها الممثلة لحاجات ومطالب الجماهير، حيث تصادفك يوميا دعاية تجارية (وأيضا سياسية ودينية و....) تقول لك إن حياتك أو صحتك أو مستقبلك أو خيارك الصحيح مرتبط فقط بالبضاعة الفلانية، ورغم أن هذه البضاعة قد تكون من الكماليات فان قوة الدعاية والإعلان الذي يتكرر زمنا طويلا وفي أوقات محددة حيث المشاهد متحفز أو مشدود ليصبح مطلبا ذاتيا ثم عائليا وربما يصبح مجتمعيا.

السياسيون والشيوخ والكهنة والمؤدلجون والمفكرون كلهم وغيرهم يستخدمون أساليب (الدعاية) لفكرهم على انه الأصوب والأجدر بالإتباع ، وان كان من حق كل شخص أن يعبر عما يشاء فان وسائل التخويف أو الترغيب أو الإلحاح والتكرار المرتبطة باستغلال الحس الديني أو المزاج الشعبي السلبي (الانتقامي مثلا: أنظر مقال رشيد الخيون ردا على آية الله حائري الذي يدعو لحرمة التصويت للعلمانيين من مستوى لجنة في مدرسة إلى مستوى رئيس الجمهورية، كما دعا قبل ذلك لقتل البعثيين، ومثال استغلال الاخوان المسلمين في مصر للدعوى أن مرشحهم للرئاسة هو من الله) تمثل أبشع وسائل الاستغلال الإعلامي التي تستحث السلبيات والنعرات والاتجاهات السلبية في الجماهير بدعوى أنها بذلك تعبر عن حاجات ومطالب هذه الجماهير.

إن الإعلام الجماهيري المطلوب هو الإعلام الايجابي الذي يتعامل مع متطلبات الجماهير في سياق الحض على الوحدة والتقارب، والحض على التعايش واحترام الآخر ورفض دعاة الفرقة والفتنة والطائفية والاستبداد واستغلال السلطة أو الدين، وعليه يصبح إعلام الجماهير (الذي نراه) رافضا للشتم والاتهام والتعرض للأشخاص والأديان والطوائف ورافضا للقسمة كما هو الرافض للتخويف والتكفير والتخوين.

إن الإعلام الجماهيري ليس إعلاما غوغائيا أبدا فحيث يتم (دغدغة العواطف بالمعنى القطيعي للكلمة) كما يقول جمال هاشم تظهر الغوغائية.

إن (الاستغلال) و(التضليل) و(الابتزاز) هي أيضا من سمات الإعلام السيئة في كثير من وسائله التي نراها اليوم والتي تعمد لكسب الجمهور أو التأثير فيه وفق معادلة الدعاية والإعلان القائلة (بخلق حاله من الرضا النفسي في الجماهير لغرض بيع سلعة / فكرة....).

 

ثانيا: إنه إعلام الرسالة

كل وسيلة إعلامية أو نهج إعلامي يقول إن له رسالة وقد تكون هذه الرسالة عنده ايجابية، وعند غيره سلبية، ولكنه يعتبرها هدفا أو غاية أو رسالة حتى لو كانت تمثل (نشر الرقص الشرقي) كما هو حال بعض القنوات أو التعامل مع الجن أو المنجمين أو المحرضين باسم الدين أو العلمانية على الفرقة.

ولكننا نرى أن الرسالة المطلوبة أو الرسالة الايجابية أو الرسالة التي يجب أن تكون تنطلق من احترام دين الشعب وقيمه الاجتماعية (حسب ما يحددها القانون)، وبذا يكون الالتزام المقرون بالرسالة يعني كما ننقل عن الكاتب محمد الحنفي أن تكون الصحافة (أو الإعلام عامة)(صحافة مبدئية لتكون للجميع ومن خلال الرأي والرأي الآخر) مضيفا أن تكون مرتبطة بقضايا الجماهير المختلفة وان عالجها هو من زاوية الاشتراكية وهي رسالته حيث اعتبر الرسالة الملتزمة هي الجماهيرية والديمقراطية والتقدمية والمهتمة بمصالح الجماهير، والمستقلة وان كانت حزبية بالتعامل مع مختلف الرؤى كما يقول.

 

ثالثا: إنه إعلام مسؤول

إن الصلاحيات تحدد بحكم القانون أو النظام أو اللوائح، أما المسؤولية فهي إحساس يكمن في الفرد يجعله يقوم بعمله على أفضل وجه ، ويحفّزه ذاتيا للانجاز، والإتقان لذا فانه ليس كل مدير أو زعيم هو شخص مسؤول.

وعليه فان الإعلام المسؤول هو الإعلام الذي يعطي فيه رجل الإعلام عمله (بكل جوارحه ووقته) وهو (الذي يعيش حياه الجماهير ويعرف مشاكلها أو يعبر عن طموحاتها فيعمل بخلق وإبداع ويطور ويدفع المسيرة ) كما يقول د.حسين طوالبة.

ويضيف - في سياق فكره وأهدافه ورسالته- ليحدد منطلق المسؤولية في (الإيمان بالعروبة ومبادئها وبامتلاك الإبداع والخلق والثقافة في كل المجالات التي تؤهله أن يعيش حركة المجتمع داخليا وخارجيا).

 

رابعا: إنه إعلام جاد

إن الإعلام الجاد هو الإعلام الذي لا يقيم وزنا للترفيه أو اللهو ، ويعتبر أن القضايا الفكرية أو السياسية اوالمجتمعية أو الدينية الكبرى هي محركه الرئيس، لذلك فانه يطلق على القنوات الحزبية أو الدينية اوالاخبارية أو الثقافية أو السياسية أو الحكومية الرسمية أنها قنوات إعلام جادة.

رغم أن الجدية قد تكون حتى في مقامات أخرى ، إلا أن الشائع ارتباطها (بمشروع فكري ثقافي) ومؤسس على (احترام الحقوق الأساسية والتعددية) وبعيدا عن الفكر الظلامي الديني (وهو أيضا فكر جاد) كما يقول د. عادل عامر في مقاله (الإعلام الجاد والثورات العربية).

إن الجدية تفترض تناغم الفكر والإرادة والعلم مع التراكم المعرفي ضمن الإطار المرجعي للشعب وقوانينه، يرى الكثيرون أن الإعلام الجاد (فكر / سياسة / أخبار / ثقافة ... ) هو إعلام ثقيل الظل وممل ولكن القدرة على استخدام وسائل الإعلام وتقنياته الفنية في الحديث والصورة قد تجعل منه شكلا جذابا كما نرى اليوم في بعض البرامج الحوارية الجادة الممتعة بل والمشوقة غير المملة معا في فضائيات العربية والجزيرة مثلا والفضائيات اللبنانية والمصرية، وكما نرى في طريقة إدارة البرامج وعرضها.

الجدية لا ترتبط فقط بالرسالة أو الأفكار الكبرى وإنما ترتبط أيضا بالأشخاص الجادين المسؤولين الذين يحترمون عملهم فيبحثون ويستعدون ويدققون فيما يعرضونه على المشاهد ليكون صادقا وواقعيا وحقيقيا وليس اجتزاءات او أنصاف حقائق أو توقعات أو افتراضات يسبع عليها ثوب الحقيقة.

هناك علاقة بين الالتزام والجدية والمسؤولية فكلما كان الإعلامي جادا في عمله بالاستعداد والاحترام لعقل جمهوره ، وكلما كان ملتزما متكرّسا لبيان فكرته، وكلما كان إحساسه عاليا بما يقوم به  كلما اقترب أكثر فأكثر من الناس ومن تحقيق الصورة الإعلامية المطلوبة.

 

خامسا: إنه إعلام أخلاقي

رغم أن الأخلاق والقيم تختلف بين المجتمعات إلا أن هناك من القيم والأخلاق والآداب الجامعة (والقوانين) ما يعد نقيضها خروجا، مع احترام الفروقات الثقافية والحضارية بين الأمم.

 فكما لا تقوم قناة أو صحيفة جادة مسؤولة بعرض مفاهيم عنصرية تروج لشعب أو طائفة على حساب الانتقاص المشين من القوميات أو الطوائف الأخرى ، وكما لا تقوم مؤسسة إعلامية مسؤولة باستغلال غرائز المراهقين أو باستغلال دينهم لفرض مذهب معين عبر تدمير الآخر، فان هناك عدداً من هذه المؤسسات يسير -رغم ما نقول- في ركاب خرق مفهوم النزاهة أو المصداقية أو الحياد (وان كان لا يوجد وسيلة إعلامية محايدة كليا).

إن وسائل الإعلام والفضائيات التحريضية هي فضائيات غير أخلاقية، ووسائل الإعلام التي تستغل الغرائز والنعرات القومية أو الطائفية أو الجنسية هي حكما لا أخلاقية ، ومن يتعلل بأنه إنما يعبر عن مساحة رأي وحرية، فان الحقيقة أن (التحريض) أو (الاستغلال )لا يعد إلا تعديّا على مساحة حرية أو رأي الآخرين وفكرهم ومعتقداتهم ونموهم الطبيعي.

 

سادسا: إنه إعلام مؤسسي مهني

إن المهنة أو صناعة الإعلام لا تتوقف عند حد درجة سطوع الشاشة، وطريقة إبراز الخبر، وحسن استخدام الصوت، وطريقة عرض المعلومات من غرفة الأخبار في الرائي=التلفزة  ولا تقتصر على شكل المنشط وما يلبسه فقط، كما لا تقتصر على ألوان الصحيفة وطريقتها في تناول وإبراز الخبر.

 ولكن الإعلام المؤسسي المهني أيضا هو إعلام الإدارة الرشيدة التي تجنح للتخطيط والتنظيم والتوظيف والاتصالات والتوجيه والرقابة والمتابعة وفق الأصول الإدارية لأي من مدارس الإدارة.

إن الإعلام المهني يبتعد عن 5 أساليب غير مهنية أو لا تعبر عن المصداقية هي:

1. الابتعاد عن التضخيم للأحداث.

2. الابتعاد عن التضليل بالتجزيء، أو ذكر أنصاف الوقائع أو نصف الصورة أو قلب وتشويه الوقائع.

3. الابتعاد عن خلق أو ترداد الإشاعات.

4. الابتعاد عن الخداع بالصورة والصوت والكلمة.

5. الابتعاد عن التحريض أو التشويه الكاذب ضد المخالفين والتعبئة الظالمة ضدهم.

وبذلك تقترب من قيم الإعلام المتمثلة بالحياد (النسبي) والنزاهة والمصداقية

 

سابعا: الإعلام القادر على مواجهة التحديات

إن الاستقلالية في الإعلام تكاد تكون سرابا هذه الأيام، فالإعلام يتوزع بين أيدي الأحزاب والحكومات من جهة، وبين أيدي أصحاب الثروات، وكلُُّ منهم له فكره وأهدافه ومنهجيته ورسالته لذلك لا يمكن القول أن هناك إعلاماً (مستقلاً) كليا أو محايداً كليا أو موضوعياً كليا.

أما إذا كانت الاستقلالية قد يُعبَّر عنها في المساحة الممنوحة للأطراف المختلفة على ذات الوسيلة للتعبير عن رأيها بطلاقة فهذه قاعدة نسبية وهي واحدة من أهم تحديات الإعلام، كما تحدي نشر الخبر الذي لا يتوافق مع سياسة الوسيلة الإعلامية أو يغير النظرة إليها.

وقد يُنظر للإعلام المستقل بأنه غير الحكومي أو غير الحزبي/التنظيمي ما هو غير دقيق، فحتى هذا الإعلام له أهدافه وغاياته وبرامجه السائرة لتحقيق هذه الأهداف، وليس في الالتزام أو الانتماء أو الارتباط بالأهداف أي عيب أبدا، ولكن العيب هو أن تكون الوسيلة الإعلامية (المقصود أصحابها ومديروها والعاملون فيها) ذات فكر أو عقل أو أهداف مغلقة متحجرة لا تقبل التعددية أو الآخر، ولا تقبل التفهم والمحاورة والمشاركة، ما يجعلها تدافع عن الخطأ البين وتبرر للخطيئة.

إن الإعلام القادر على مواجهة التحديات أو الإعلام المطلوب هو الإعلام المرتبط بالشرائط السبعة التي ذكرناها آنفا، وبذا هو إعلام يستطيع أن يقطع النهر عبر صناعته لقنطرة يعبر من خلالها المشاركون (المتلقون أو المستقبلون المتفاعلون ايجابيا) الى الضفة الأخرى بسلاسة.