أصدرت المحاكم المصرية قرارا قضائيا باحالة اوراق (529) متهما إخوانيا للمفتي، وهو ما يعني حكم الاعدام للمتهمين. القرار كان مفاجئا للمواطنين والنخب السياسية والاعلامية واعتقد القضائية، لانه من حيث المبدأ لا يجوز اللجوء لاحكام الاعدام ضد كائن من كان. أضف إلى ان الحكم على هذا العدد غير المسبوق ومرة واحدة، يثير ردود فعل كبيرة ضد الشرعية السياسية الجديدة، ويعطي لكل القوى المعادية للنظام الفرصة لتوسيع وتعميق عمليات التحريض، ليس في اوساط الشعب المصري بل وفي دول الاقليم والعالم ككل، ويعطي المعارضة "مصداقية" أكبر في حملات التشهير، التي تقودها ضد قادة ثورة الثلاثين من يونيو 2013.

لا أحد يختلف مع القضاة ولا مع اركان الشرعية المصرية بقيادة الرئيس الانتقالي عدلي منصور، ان جماعة الاخوان ومن لف لفهم من قوى التكفير لجأت، وتلجأ لارتكاب ابشع الجرائم وعمليات القتل الارهابية ضد الجنود والضباط والمؤسسات الامنية المصرية : الجيش والشرطة واجهزة الامن الاخرى، وضد مصالح مصر الاقتصادية.

كما لا يشكك احد في ان المجموعة المحاكمة ارتكبت الجرائم أو اعدت وخططت واعطت الاوامر لتنفيذها. ولدى القضاء الادلة القاطعة على تلك الجرائم الارهابية. ومع ذلك لا يجوز اللجوء إلى الحكم بالاعدام. هناك اكثر من مستوى من الاحكام القضائية، التي يمكنها أخذ حقوق المواطنين والدولة المصرية على حد سواء دون اللجوء إلى الاحكام الاقصوية، التي تسيء للشرعية الجديدة.

الثورة، مطلق ثورة في اي بلد من بلدان العالم، تواجه تحديات كبيرة داخلية وخارجية. تتطلب من القيادة الثورية، حاملة لواء التغيير الديمقراطي، الحزم والقسوة في مواجهة اتباع الثورة المضادة في الداخل والخارج. ولكنها لا تقع في خانة السياسات المغالية وغير المقبولة او المفهومة إلا من ذوي الضحايا من الاجهزة الامنية وصناع القرار.

القضاء المصري العريق، معروف بنزاهته وقوته. وله رصيد محلي وعربي ودولي إيجابي. دعا الجميع يقر باهميته، والرهان عليه في المحطات العديدة، التي استدعت موقفا شجاعا للدفاع عن ركائز الدولة العميقة. رغم انه تبين ان جماعة الاخوان المسلمين، تمكنت من اختراق القضاء وغيره من مؤسسات الدولة العميقة، إلا أن ذلك لا يعني اللجوء لردة فعل من قبل القضاة الوطنيين المعروفين بحكمتهم وشجاعتهم ونبل مقاصدهم. وبالتالي القضاء المصري عليه مسؤولية عالية في إعادة الاعتبار لمكانته ودوره ونزاهته من خلال إعادة النظر بالقرار الصادر بحق الـ (529) متهما اخوانيا.

ليتخذ القضاء المصري اي حكم من الاحكام الشاقة والمؤبدة، لكن لا يلجأ لحكم الاعدام، لانه لن يجدي نفعا في مواجهة الاخوان المسلمين، وسيزيد ليس فقط من عمليات التحريض، بل سيزيد من حالة السخط والاحتقان ضد الشرعية المصرية الجديدة. كما ستستغل قوى الثورة المضادة الاحكام مع مجموعة الازمات الاجتماعية والاقتصادية والامنية بهدف إستقطاب قوى جديدة لصالح دعم توجهاتها المعادية لاهداف ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وزيادة اعمال التخريب والارهاب ضد المؤسسات الامنية والشعب على حد سواء.

مواجهة الاخوان المسلمين ومن معهم من القوى المعادية للثورة يتم باسلوبين الاول تنفيذ حملات توعية وتثقيف لابناء الشعب المصري بكل الاخطار الناجمة عن سياسات الرئيس المعزول مرسي وحكم المرشد؛ وفي السياق تثقيف قوى الامن ذاتها في كيفية محاربة اعمال التخريب والقتل، التي تنفذها الجماعة، والاهتمام اكثر فاكثر بالمراقبة النشطة واليقظة العالية لاية سلوكيات مشبوهة، تنم عن ارتكاب اعمال تخريبية؛ والثاني من خلال الحزم بالتصدي لكل من تسول له نفسه بارتكاب اية جرائم ضد مؤسسات الدولة ومصالح الشعب والاجهزة الامنية.

مصر العظيمة ليست بحاجة الى حكم الاعدام لمواجهة الاخوان المسلمين، مصر بحاجة الى تعزيز الحريات الديمقراطية، ونشر روح الاخاء والمواطنة بين عموم الشعب، والحكمة السياسية والامنية في مواجهة جرائم الجماعات الارهابية المصرية والعربية والاقليمية والدولية. الحكمة تتطلب تقليص الاعداء وتحييد من يمكن تحييده، وكسب من يمكن كسبه لصالح الثورة، لا زيادة الاعداء والقتلة.