عودة بالتاريخلإغناء الذاكرة

عودة الشبيه

تكشف الرواية السابعةلابراهيم نصر الله، "قناديل ملك الجليل"، الصادرة عن دار العربية للعلومفي بيروت، بالتزامن مع دار مكتبة كل شيء في فلسطين، عن شخصية تاريخية فذّة اتّسم وجودهابالتأثير على المجتمع الفلسطيني ومحيطه في فترة مهمة من تاريخ فلسطين، امتدت من عام1689 - 1775، وكان لهذه الشخصية دور سياسي وقيادي، وهي شخصية القائد ظاهر العمر الزيدانيالذي قاد فيها تلك المرحلة من أجل تأسيس دولة تنعم بالرخاء والاستقرار والمنعة. مالفتني في هذه الرواية المفارقات الشبيهة بين نظرة ذلك القائد في بناء دولة على أرضفلسطين في تلك المرحلة، والمرحلة التي قاد فيها ياسر عرفات قيادة النضال الفلسطيني،منذ 1965 – 2004، وتشابه النظرتين في بناء وتأسيس الدولة الفلسطينية على ارض فلسطين،وعلاقات هذه الدولة مع الجوار ومع دول العالم. في ذلك الوقت اراد ظاهر العمر ان يبنيكياناً سياسياً على ارض فلسطينية، (حيفا، طبرية، عكا والناصرة) تتمتع بالحرية والعدالةوالمساواة بعيداً عن الاحتلال والاضطهاد والعنف والمظالم. لكي يكون هذا الكيان اولكيان سياسي فلسطيني مستقل على ارض فلسطين، وترجمته باللغة السياسية الراهنة "الديمقراطية"،قبل ان يعرف العالم اي معنى للديمقراطية في ذلك الوقت! وأصبح لهذا الكيان أثر كبيرعلى المحيط والإقليم، كالاردن وسوريا ومصر ولبنان وتركيا. وتمتع الناس فيه بالعدل والتسامح،ولجأت اليه فئات مضطَهدة من ظلم الحكام، وتمتع هذا الاقليم بإزدهار اقتصادي وتجاريكبير، وعلاقات دبلوماسية مع دول العالم. وهذا ما عملت عليه المرحلة العرفاتية التيدعت منذ سبعينيات القرن المنصرم، ومنذ بدايات انطلاقة الثورة الفلسطينية الى اقامةكيان ديمقراطي على ارض فلسطين، تتعايش فيه جميع الفئات الدينية السماوية على ارضها،من اسلامية ومسيحية ويهودية، في دولة لا تمييز فيها بين عرق وآخر، ونبذ العنف والاضطهاد،بعيداً عن الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية. الرواية التي يقدمها ابراهيم نصرالله تثبت ان التراث الفلسطيني، وتاريخ هذا الوطن عريق بالكفاح من اجل ترسيخ المثلالانسانية التي يطمح الى تكريسها انسان هذا العصر، من سياسة وطنية وتعايش سلمي واحترامللحريات والحقوق، والتي عرفها قادتنا وشعبنا قبل ان يعرفها العالم الآخر! وقد مارسهاقولاً وعملاً على أرض الواقع في الحقبات الماضية من الزمن ومازال يسعى اليها، وأن قادةالشعب الفلسطيني يحلمون باقامة دولة تحمل المبادئ السامية، من  حرية وعدالة ومساواة. الرواية تسلط الضوء بقوة علىمرحلة تاريخية مهمة وتحاول توظيف الماضي وواقعه التاريخي المنسي، وإعادته الى الواقعالراهن. باستخدام تقنيات السرد الروائي، واعادة بناء الشخصيات كما لو ان اثرها الكبيرمازال ينبض باساطير القصص الى يومنا هذا، ومدّها بالزخم الحكائي، كما لو انها لم تغادرواقعنا الى الآن، وكذلك إظهار اثرها الكبير على مكونات الحياة الانسانية، وتصوير تلكالمرحلة في بوتقة جمالية لها دلالاتها المكانية والفكرية والاجتماعية، كذلك استقراء  الواقع المتخيّل بمرونة جاذبة من اجل تحقيق هذاالتصوّر الايديولوجي لتلك الفترة الزمنية البعيدة، واستنهاضها مجدداً، لدلالة على انفي فلسطين وتاريخها من القادة العظام ما يفوق كل تصوّر من أجل خدمة الاهداف السياسيةوالوطنية والانسانية المفيدة للمنطقة والعالم. لم يستغل كاتب الرواية  التاريخ للاستفادة منه في حبك روايته بقدر ما كانهدفه يخدم مندرجات القضية الفلسطينية، بحيث كشفت هذه الرواية الكم الهائل من مكوناتالصراع على فلسطين كهوية وارض، قبل ان تمتد اليها الاذرع الاخطبوطية الصهيونية، وتقيمعليها دولة ظالمة عنصرية بشعة، بتحالف مع القوى الاستعمارية، وبكل المقاييس، ومازالهذا الصراع محتدماً حتى اليوم، حيث يأخذ اشكالاً مختلفة من احتلال وتهويد واضطهاد وعنصريةوعنف، على عكس ما كانت تطمح اليه سياسة القائد ظاهر العمر الزيداني الفلسطيني، الذيمدّ أذرع دولته بالمحبة والعلاقات السوية الراشدة، وهذا ما هدفت اليه المرحلة العرفاتيةالتي سعت الى ان يبسط السلام أذرعه على كامل التراب الفلسطيني دون تمييز ، والتي ماتزال هذه المساعي مستمرة مع قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية الحالية. الرواية تجربةصعبة في عصر يسحق فيه الكبير الصغير، عصر تضيع فيه الحقوق على أعتاب قوى متجبرة مستكبرةمتحالفة بقوة طغيانها وهيمنتها لتأمين مصالحها ومصالح اتباعها، وتتنكر للواقع الفلسطينيالأليم، الواقع الذي تسود فيه الهيمنة والتسلط والقوة والاحتلال.

محمد سعيــد