معقول ومنطقي وقانوني ان تستبين القيادة الفلسطينية توجهات الجماهير الفلسطينية , ورؤى الغالبية العظمى منه ، فالفصائل والأحزاب لاتمثل كل الشارع الفلسطيني , كما قيادات عليا ووسطى لاتحسن التعبير عن حقيقة توجهات الشارع ، ورؤيته للبدائل ، بمواجهة الأمر الواقع الذي تريده حكومة اسرائيل حلا نهائيا .

كانت السلطة الوطنية في المشروع الوطني من اجل نقل الشعب الفلسطيني من مرحلة الاحتلال الى الاستقلال ، وهذا مالم بحدث حتى الآن .. لكن خلال عشرين عاما أحدث الفلسطينيون متغيرات كثيرة على واقعهم ، وباتوا اقرب ما يكون الى يوم تحقيق هدف قيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية ، والسؤال هنا ، هل يفرطون بما تم انجازه ، هل يطيحون بجزء هام من مشروعهم التحرري التي حقق  انجاز السلطة الوطنية بمؤسساتها : التشريعية  والتنفيذية والقضائية ، ويفككون بايديهم مؤسسات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ومدنية  برهنت على جدارتهم في المساهمة ببناء المجتمع الانساني الحضاري ، لمجرد ان المجتمع الدولي مازال عاجزا عن فرض حل الدولتين على اسرائيل على أساس حدود الرابع من حزيران في العام 1967، أو ان اسرائيل تستغل المتغيرات الدولية وتجيرها لصالح امد احتلالها وتوسيع استيطانها ، أو لمجرد ان قيادات بمستويات عدة ومشارب سياسية متعددة  استهوت الخطابة التعبوية ، لتضمن بطاقة الحجز في الانتخابات أو في مقدمة صفوف المراتب القيادية ، كنوع من التساوق مع المزاج العام في مخالفة صريحة لمعاني ومهمات القيادة التي يجب ان تأخذ الجمهور الى مواقع التبصر  ، وتمكنه من رؤية واسعة وعميقة لمصالحه ، فبعض المشتغلين على عواطف الجمهور ومشاعره المشحونة من اجراءات الاحتلال ، يسمحون لأنفسهم بامطار الجماهير بالتشاؤم  والاحباط  , في سفر تبرير لمواقفهم  المحسوبة مسبقا بمعيار المصالح الذاتية .

من حق القيادة الفلسطينية التي انجزت بعقلانيتها وحكمتها انتصارات سياسية أن تسال الشعب مباشرة نفس السؤال المتداول في كل الأطر القيادية للأحزاب والفصائل الفلسطينية " ماذا بعد " ، مارؤيتك ، ماالمصير الذي تختار ، لكن ليس قبل أن يتم وضع كل الحقائق بين ايدي الجماهير عبر كل الوسائل المتاحة ، اذ يجب ألا يخفى عن الجمهور منهج عمل الرئيس  وطريقة تفكيره ، والزاوية التي يرى منها الرئيس ابو مازن مصالح الشعب الفلسطيني ، والأهم من كل ذلك  ابراز طريقة تفكير الرئيس واستراتيجية القيادة  لتحصيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، فالحقوق لاتسترجع بقرارات متسرعة كما فعل كثيرون ، فدفعنا ثمن أخطائهم غاليا من دماء ابنائنا  ، ولا تلميع الذات الشخصية او الحزبية  او الفصائلية بورنيش المصطلحات الوطنية ، والطيران بالناس على جناح الأوهام ،  وانما بقراءة موضوعية ، صائبة ، لواقع الصراع ، واختيار الوسائل المشروعة المؤثرة التي ترفع كلفة احتلال اسرائيل لأراضينا  اقتصاديا وسياسيا  واجتماعيا عبر تأليب المجتمع الاسرائيلي على حكومته ، وخلق تناقضات تصل الى حد الصدامات المباشرة مع المجتمعات اليهودية في العالم .

 من حق القيادة  ومن حق الرئيس ابو مازن اللجوء الى جماهير الشعب  يسأله  باخلاص ، فاللعبة البرلمانية  والانتخابية ليست دائما على صواب ، والتمثيل ماكان في يوم ما في احسن الحالات الديمقراطية في العالم الا جزءا بسيطا من الدائرة العظيمة للشعب .ومن حق القيادة أن تطرح السؤال في استطلاع وطني شامل  يجيب عليه الفلسطيني في أي مكان ، حينها ستقرر القيادة  الاجابة عمليا على السؤال الكبير ماذا بعد