بسم الله الرحمن الرحيم

" وأخرى تحبونها نصرٌ من الله وفتح قريب وبشِّر المؤمنين"

صدق الله العظيم

 

بيان صادر عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح- لبنان

أطفالُ الحجارة قزَّموا جنرالات الاحتلال الاسرائيلي

 

يا جماهير أمتنا العربية والاسلامية

يا أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات، في مشارق الارض ومغاربها.

 نعيش في هذه الايام تحت ظلال مناسبة تفوح منها رائحة طيب الشهداء، وأسمى معاني العزة والكبرياء، وتتجلى فيها أجمل وأنقى صور البطولة والمواجهة والفداء، وتتجسَّد فيها إرادة المقاومين صلابةً ووعياً وعطاء، وينخرطُ في التحدي الرجالُ والنساءُ والابناء، ولا نبالغ إذا قلنا بأن ذكرى الانتفاضة الأولى التي إندلعت في 8/12/1987 كانت ملحمة شعبيةً حطَّمت هيبة الاحتلال، وفرضت هيبة الفتوة والاشبال، ودخل الحجر الفلسطيني وأطفال الحجارة وجنرالات الانتفاضة التاريخ من أوسع أبوابه، يشهد على ذلك العقلية الفذة، والبراعة الثورية، والتجربة الغنية التي استخدمها الشهيد الراحل أبو جهاد الوزير مهندس الانتفاضة، وهو الذي رعاها منذ ما قبل انطلاقتها إلى حين استشهاده في 16/4/1988 بعد أن أرسى أسسها الثابتة، وزرع الفكرة في عقول روادها، وروى عقول شبيبة فتحها بعشق الشهادة، والتفاني من أجل الوطن والكرامة.

الانتفاضة التي اندلعت في 8/12/1987 أطلق الجميع عليها الانتفاضة الأولى انتفاضة جنرالات الحجارة، ولكن من باب الانصاف علينا أن نذكِّر بأنّ انتفاضة يوم الارض في 30/3/1976 في الاراضي المحتلة العام 1948 والتي شهدت مواجهات في العديد من قراها إضافة إلى تعاطف جماهيري شامل ومنظم وذلك احتجاجاً على مصادرة أراضي من قرى عرابة، والطيبة، وكفركنا وغيرها والتي استشهد فيها ستة شهداء، وجرح تسعة وأربعون.

إنتفاضة 8/12/1987 لم تكن هبة عاطفية، وإنما شهدت تحضيراتٍ مهمة لتهيئة مستلزمات إنجاح الانتفاضة، وكان يؤسس لهذا الجهد الشهيد القائد أبو جهاد خليل الوزير الذي أجرى الاتصالات مع الجميع ابتداءً من الفصائل، ومروراً بالعشائر، والشبيبة الفتحاوية، والنقابات، وتحديد الوسائل والأدوات وخاصة الحجارة، واستبعاد استخدام الرصاص، حتى لا يجرنا العدو إلى المربع العسكري الذي يريد، حيث يجد له مبرراً لاستخدام السلاح والعنف والقتل تحت شعار الدفاع عن النفس.

 لقد حصلت هناك أحداث شرَّعت وهيأت لانطلاق الانتفاضة تحت تسمية القيادة الوطنية الموحدة، والتي ضمّت فصائل (م.ت.ف)، وكانت البيانات تصدر باسمها. من هذه الاحداث باختصار:

أ‌-      قام الاحتلال بقتل الطالب الفلسطيني اسحق أبو سرور بالرصاص في 2/11/1987

ب-قامت سيارة اسرائيلية بدهس سيارة تكسي فلسطينية عمداً واستشهد أربعة في 8/12/1987

ج-قامت شاحنة عسكرية إسرائيلية بصدم شاحنة فلسطينية تقل عمالاً فأصيب واحد وثلاثون عاملاً فلسطينياً من منطقة جنين.

د-قام جنود العدو باغتيال ثلاثة فلسطينيين عمداً بعد أن أنزلوهم من السيارة وذلك على مدخل مخيم البريج في 17/10/1987

هـ-قامت قوات الاحتلال بقتل السيدة عنايات سمير الهندي بالرصاص في مدينة رام الله في 13/10/1987

و-قام ثلاثة من جهاز الشين بيت بتعذيب المواطن عوّاد حمدان، واستشهد تحت التعذيب بعد اعتقال في 19/7/1987

هذه نماذج من الجرائم التي ارتكبت، والتي شحنت المشاعر الفلسطينية، وشرَّعت الانفجار الشعبي المنظم، والذي قادته قيادات ميدانية مؤهلة، إستطاعت أن تغيِّر الواقع الفلسطيني الصعب والمعقّد الذي كان يعيش أسوأ المراحل خاصة بعد الاجتياح الاسرائيلي، وبعد الصراع الفلسطيني الداخلي، وتشتت القوات الفلسطينية بعيداً عن دول الطوق.

إن استمرار هذه الانتفاضة بدقة متناهية، وقدرة تنظيمية هائلة، وتنفيذ ناجح للبرامج المعتمدة إنما يدل على المستوى الفكري، والخبرة، والمعرفة بدقائق الأمور، وإعطاء الأولوية للوحدة الوطنية. واستطاعت القيادة الوطنية الموحَّدة ان تثبِّت علمياً أنها ليست بديلاً عن إطار (م.ت.ف) وأن المنظمة هي المرجعية.

إستطاعت الانتفاضة الأولى أن تنقذ الوضع الفلسطيني من المخاطر المحدقة به، وفتحت القنوات للحوار الداخلي والذي تكلل في انعقاد المجلس الوطني في الجزائر في 12 تشرين الثاني 1988، وإعلان الاستقلال.

وعندما تأسست حركة حماس في أوائل 1988 وقررت المشاركة في الانتفاضة بتعليمات من الشيخ المجاهد أحمد ياسين مؤسس الحركة، كان هناك تنسيق بين القيادة الوطنية الموحدة وحركة حماس على أرضية وطنية مشتركة وهي مواجهة الاحتلال ودحره، والحفاظ على النهج المتَّبع لإبراز القضية الفلسطينية كقضية وطنية تعاني من إحتلال عسكري عنصري يستخدم الرصاص والقصف ضد الاطفال والمدنيين الذين يستخدمون الحجارة والعصي، وزجاجات المولوتوف، وهذا هو الذي عزل الكيان الاسرائيلي في زاوية العنصرية والإجرام، وكان الاصطفاف الدولي بالكامل إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته ومطالبه المحقة.

صحيح أن الانتفاضة الأولى فقدت مهندسها الشهيد أبو جهاد خليل الوزير إلاّ أنها لم تفقد البوصلة لأنَّ تلامذة الشهيد أبو جهاد حملوا الأمانة بوفاء وإخلاص، وفهموا رؤية أبو جهاد الصائبة، واستكملوا المسيرة بهمة رجال فتح وأبناء فلسطين، وكانوا خير خلفٍ لخير سلف وتواصلت ست سنوات، استطاعت خلالها تحقيق الانجازات السياسية الكبيرة وخاصة اعتراف ما يزيد على مئة وخمس دول بالدولة الفلسطينية في العام 1988

الخسائر الفلسطينية في الانتفاضة وحسب ما جاء في خطاب الرمز القائد الراحل ياسر عرفات في قمة بغداد الطائرة في 28/5/1990"لقد سقط لنا حتى اليوم ثمانون ألف جريح، و(1130) شهيداً، و(6000) حالة إجهاض بين نسائنا بسبب استخدام الأسلحة الكيماوية المحرّمة، إضافة إلى (6500) معوَّق، و(88000) معتقل، وهدم ونسف وتدمير وإغلاق (2780)منزلٍ.

إن الدخول في تفاصيل هذه الانتفاضة العملاقة هو من أجل إنصاف من قادوها، وخاضوها. وثانياً هي رسالة إلى كل القيادات الفلسطينية بأنَّ خيار إنتفاضة من نوع الانتفاضة الأولى ليس معجزةً لأنه سيفجِّر الطاقات الشعبية والوطنية بوجه الاحتلال الذي يعتقد مخطئاً بأن شعبنا أصبح عاقراً أو منقطعاً عن تاريخه المقاوم، وهذا ما عبَّر عنه الرئيس ابو مازن عندما قال إذا فشلت المفاوضات فنحن لن نرضى أن يستمر الاحتلال بهذه الصورة ولدينا خيارات، وليتحمل الاحتلال مسؤولية احتلاله وجرائمه كاملة.

أيضاً هي رسالة إلى الكيان الاسرائيلي المتغطرس نفسه بأن يفهم أنّ اللعبة الاميركية الاسرائيلية المبنية على خدعة السلام وتكريس الاستيطان لن تستمر، والشعب الفلسطيني يمهل ولا يهمل، وهو يختزن الطاقات الثورية الكامنة الجاهزة للانفجار بانتظار القرارات والتوجهات التي ستتخذها القيادة الفلسطينية، ونؤكد بأننا متمسكون بثوابتنا الوطنية، وبحقوقنا المشروعة، ولن نتخلى عن مقدساتنا مهما بلغت التضحيات.

الانتفاضة الأولى هي أيضاً رسالة إلى قيادة حركة حماس بأن تعود إلى تعاليم الشيخ المجاهد أحمد ياسين، الذي كان رمزاً للأخوة والوحدة الوطنية مع أخيه ورفيق دربه الرمز ياسر عرفات رحمة الله عليهما في جنان الخلد.

الشيخ أحمد ياسين كان عقلانياً، ومحاوراً، ومتفهماً للواقع الفلسطيني ولم يفكر يوماً في الانقلاب أو الانقسام، أو إغراق الساحة بالدماء، والكراهية، والاحقاد، وشق الصف، لأن العدو الاسرائيلي يقاتلنا اليوم بسيف الانقسام الذي صنعناه له يأيدينا بغض النظر عن النيات والخلفيات. والعائق الوحيد أمام أي خيار جديد اليوم لمواجهة الاحتلال بقوة الارادة الشعبية هو الانقسام أولاً.

إنَّ الارادة الوطنية الجماهيرية التي عبَّرت عن طموحاتها بخوض انتفاضة تاريخية أذهلت العالم في ظل قيادة وطنية فلسطينية متضامنة مؤمنة بأنَّ العدو الأوحد هو الكيان الاسرائيلي، وأن الحوار الوطني المسؤول هو الاسلوب الوحيد لحل كافة تناقضاتنا وخلافاتنا، هذه الانتفاضة تستحق منّا التبجيل والاحترام والتقدير لشهدائها، وجرحاها، ومعاقيها، ومعتقليها، وأشبالها، وأهلها.

وإنها لثورة حتى النصر