لا شك ان الواقع السياسي الراهن يفرض بالضرورة حسابات اخرى غير تلك التي كانت ومازالت سائدة، وكأننا نعود للمربع الاول في البحث عن الحلول الخلاقة في ظل الواقع الراهن الذي لا شك ان حساباته معقدة حيث انسداد الافق السياسي على مختلف الصعد والجبهات، وبات من المستحيل احداث الاختراق السياسي المطلوب في جدار العملية السياسية المقفلة بالرفض الاسرائيلي لكل من شأنه التسليم بوقائع وقوانين ما يسمى بالتسوية السياسية السلمية التي من المُعتقد ان لها ارضية من الممكن البناء عليها وفقا لأطروحات تسووية تقوم على الاساس التفاوضي لانجاز حل الدولتين الامر الذي اضحى وبفعل وقائع اللحظة الراهنة خيارا وهميا ليس له اي اسنادات حقيقية راهنة، وفي ظل السجال الدائر الآن حول الواقع الفلسطيني والسبل الممكنة للخروج من عنق الزجاجة، وفي ظل حالة الشلل وعدم المقدرة على خلق اطروحة سياسية ابداعية تستطيع اختراق حالة العجز والتحليق بالاطروحة الفلسطينية عموما وتجسيدها كواقع يتم التعاطي والتعامل معه على مختلف الصعد والجبهات الأمر الذي يعكس حالة الازمة التي باتت تعاني منها مختلف مستويات القيادة الفلسطينية حيث الحالة الانقسامية وتضارب المعلومات بشأن الفعل التصالحي وبروز مراكز القوى التي تعادي المصالحة حفاظا منها على مصالحها ومكتسباتها، وفي ظل انعدام التأثير العربي الرسمي، وحتى الشعبي، وفي ظل معطيات الواقع العربي الراهن، وفي ظل تغول الفعل الاحتلالي ذاته من خلال الممارسات الفعلية على الارض الذي يشهد تكثيفا لتلك الممارسات التي من شأنها تكريس سياسة الامر الواقع وتقويض حل الدولتين على ارض فلسطين التاريخية الأمر الذي يؤكد ان قوانين اللعبة لابد من ان تتغير ولابد من عبقرية قيادية لصياغة آليات الفعل الوطني الفلسطيني وفقا لمتغيرات الوقائع على الارض حيث ان كيان الاحتلال ما عاد يخفى عداءه لما يسمى بالتسوية السياسية ورفضه لوقائعها وقوانينها التي لاشك انها كانت منذ البدايات تقوم على اساس معاكس لقوانين الفعل التحرري ... وفي ظل كل ذلك يأتي الاعلان الصريح والواضح وفي اطار ما يسمى بالمصالحة واستحقاقاتها لإعادة هيكلة الأطر الوطنية وذلك عبر ما يسمى بالعملية الديمقراطية وذلك على الاساس الانتخابي للمجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني والمجالس المحلية وقد يبدو للوهلة الاولى ان الفعل الانتخابي هذا هو الكفيل بانقاذ الحالة الفلسطينية وبالتالي انجاز الاصلاح الداخلي للبيت الفلسطيني واطره القيادية المختلفة وتشعباته ... وقد يبدو الامر في غاية السهولة والاستسهال وكأن الشعب الفلسطيني يعيش في واحة ديمقراطية يتم من خلالها انجاز الفعل الديمقراطي على الاسس القانونية المطلوبة ليختار الشعب ممثليه وليحدد بالتالي خياراته الا ان الواقع عكس ذلك تماما لأن الفعل الديمقراطي الانتخابي لا يمكن الا ان يستند الى اسس الحرية، والحرية لابد لها من مناخات ضامنة لها ولأجوائها وهذا ما نفتقده في فلسطين بالمجمل.
في ظل هذه الاجواء الملبدة بالمعلومات وتضاربها، وفي ظل الاحتمالات وانعكاساتها تتجه الانظار الى الساحة الفتحاوية وما يدور فيها من سجال داخلي، عشية التوجه لما يسمى بالاستحقاق الانتخابي العام ولا نجافي الحقيقة هنا اذا ما قلنا ان حركة فتح تعيش واحدة من ازماتها المتعاقبة والمتلاحقة بهذا الشأن حيث الفجوة الكبرى ما بين كادرها وقيادتها وعدم التوصل الى صيغة من الممكن من خلالها حسم قضاياها وامورها وبالتالي اعادة انتاج ذاتها وانتاج مفرداتها بما يتوافق وادبياتها بعيدا عن الحالة السجالية العقيمة ما بين مكوناتها الإستزلامية الاسترجالية ... فالمحطة الانتخابية هذه المرة قد تكون حالة استنهاضية فعلية لفتح او من الممكن ان تشكل المحطة النهائية في مسيرة الحركة.
ومن المعلوم ان حركة فتح كانت وما زالت تشكل العمود الفقري الاساسي لعماد الحركة الوطنية الأمر الذي يحتم عليها ادراك حقيقة خطورة المرحلة فإن هي نهضت بالتأكيد فإن مكونات الحركة الوطنية بالعموم ستشهد نهوضا فعليا، وان كان الانهيار عنوان الواقع الراهن للحركة فحتما سيقود الانهيار الى فوضى فعلية في الاداء الوطني برمته حيث تغيير العناوين الكلاسيكية لمكونات الجسم الوطني بالمجمل ... مما يعني ان حركة فتح ستجد نفسها امام مفترق طرق خطير ومفصلي هذه المرة. وفتح ان اجادت تسويق ذاتها امام جماهيرها الفلسطينية على اساس البرنامج السياسيالفعلي الذي يمثل فتح بمفردات الخطاب السياسي الفتحاوي المعبر عن الكينونة الفعلية لفتح كحركة تحرير وطني وبالتالي مواجهة استحقاقات المرحلة بما يخدم المصالح العليا للشعب الفلسطيني وكل ذلك في ظل المتغيرات التي تشهدها الساحة العربية.
ان الكادر الفتحاوي بات يترقب الجديد من قادة فتح والجديد هذا هو القديم الجديد الذي لابد له ان يعيد للحركة اصولها ومنطلقاتها الاساسية والذي من الممكن ان يشكل الرافعة الفعلية للواقع الفلسطيني اذا ما جاءت النتائج وفقا لطموحات الكادر الفتحاوي الذي بات ينتظر بقلق هذا الجديد وهو المتمثل باللغة الفتحاوية الاصيلة ورجالات الحركة القادرين على حمل الامانة التحررية بعيدا عن المصالح الخاصة وشخصنة فتح وزجها في اتون الصراعات الفئوية والاخذ بها الى دوائر الارتهان للغير ...
ان الاعلان الرسمي على الاقل لإجراء الانتخابات العامة سيضع الحركة امام مفترق طرق ليس بالسهل او اليسير، بل ان النتائج التي من المنتظر ان تعلنها فتح ما قبل هذه الانتخابات ( اسماء مرشحيها ومرشح الرئاسة ) وما سينبثق عن ذلك سيغير الكثير من المعالم التي تشهدها فتح بالظرف الراهن، بمعنى ان فتح ما بعد هذا الاعلان والياته ستختلف حتما عن فتح ما قبله وستشهد الكثير من الانقلابات على الأقل في الصف القيادي التنفيذي الأول لها، وبالتالي ستتغير هنا الكثير من منطلقات ومفاهيم الفعل الفتحاوي على ضوء التغيرات بالشخوص القيادية التي ستأتي للأطر القيادية الوطنية والتي ستمثل فتح بما تمثل، ، الا ان التغيير الأساسي والفعلي سيكون بالإطار القيادي وشخوصه وهو ما سيحمل معه التغير الفعلي سلبا كان ام ايجابا، وعلى هذا الأساس نجد ان ثمة ترقب وتعليق الآمال على الحالة الفتحاوية المستجدة وتداعياتها على الشأن الفلسطيني عموما وعلى مسار وقائع القضية الفلسطينية بشكل او بآخر ... والسؤال الذي يفرض نفسه ما هي حقيقة وطبيعة فتح بالظرف الراهن ..؟؟ وهل فتح امام استحقاقات التغيير لإنقاذ ما يمكن انقاذه ..؟؟ وهل بالإمكان فعلا تحقيق هكذا تغييرات في ظل وقائع فتح الراهنة ..؟؟ وهل فتح اليوم هي بأيد امينة ام انها مختطفة من قبل مجموعة باتت تتربع على عرشها وتتحكم بمصيرها ومسارها ..؟؟ هل حقا تم اختطاف هذه الحركة التاريخية المناضلة التي قدمت آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والأسرى والمعتقلين على مدار أربعة عقود ونيف على ايدي من انقلب بالفعل على منطلقات ومفاهيم فتح ... ؟؟ والذي تبلور في اطار تيار بات يعبر عن ذاته من خلال التناقض والكثير من اساسيات الفكرة الفتحاوية ورؤيتها، هذا التيار الذي لا يملك حتى اللحظة اطروحة سياسية متوافقة، ولا يعبر عن جوهر حركة فتح حيث استطاع افراغها من مضامينها ومحتوياتها بل تآمر عليها من الداخل واستغلها للحصول على المكاسب والغنائم حتى ضاعت واصبحت كالغابة التي ينهش كل من فيها بعضه بعضا، وأطبقت عليها انياب المنتفعين والمتسلقين حتى أضحت فتح مشروعا استثماريا للبعض.
مما لاشك فيه ان حركة فتح بالظرف الراهن وهي تستعد لخوض غمار الانتخابات التي تشكل مرحلة مفصلية هامة بتاريخها بل وبتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية عموما لها ما لها وعليها ما عليها ...
ان الاستحقاق التي تقف على اعتابه حركة فتح اليوم وكما اسلفنا تاريخي ومفصلي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فاما ان تتلاشى حركة فتح وتذوب في بحر تناقضاتها وتصبح مجرد حركة هلامية الشكل لا يعبر الا عن حفنة من الشخوص الذين امتهنوا وما زالوا يمتهنوا ابتزاز فتح عن طريق الفهلوة ولعبة المصالح والتجيييش للعصبيات الشللية، من خلال فعل الإستزلام وربط الكثير من الكوادر بلعبة التوزانات من خلال الإستقطابات لصالح زعماء القبائل الفتحاوية المتصارعين على هرمها القيادي .... او انها تعاود انتاج ذاتها على قاعدة اثبات الذات واعادة الحركة الى مسارها القيادي الفعلي.
وحتى لا تضيع هوية فتح النضالية فلابد من اعادة الإعتبار الى المؤسسات الفتحاوية من خلال اعادة بنائها وفقا للمعايير الحركية المنسجمة والمفاهيم الأساسية للفهم النضالي ولدور فتح التاريخي وهذا يتطلب اولا تعرية كل المتآمرين على فتح من داخلها وتطهيرها من الطحالب التي علقت بمسيرتها، ونبذ التائهون والضائعون بين العجز والانحراف، الذين باتوا يحللون ويفلسفون التيه بل ويضعون له القواعد والمرتكزات من خلال مصالحهم الذاتية التي ترتبط وتتقاطع بالضرورة بمصلحة الطرف الآخر من معادلة الصراع الأساسية التي ترسم خارطة المنطقة اجمالا، والذي يؤدي بالنتيجة الى ان تكون فتح في موقع غير موقعها ضمن هكذا... اذ صار يُنظر اليها وكأنها الحركة الليبرالية وعرابة ما يسمى بالتيار الاعتدالي على الساحة العربية..
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها