شكراً لوزير الشؤون الاجتماعية اللبناني وائل أبو فاعور، وهو من وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي في الحكومة اللبنانية الحالية الذي يقوده الزعيم اللبناني المعروف وليد جنبلاط، شكرا له لأنه عقد اتفاقا مع ممثل الأونروا في لبنان، يتضمن إجراءات محددة لتحسين الحياة في المخيمات الفلسطينية التي تعاني من أوضاع قاسية وشاذة، سواء على مستوى الأكواخ والمباني البائسة التي تضيق بساكنيها، الذين لا يسمح لهم بترميمها أو إعادة بنائها بطريقة ملائمة، أو على مستوى عشرات من المهن المحرم على الفلسطيني مزاولتها في لبنان، مما يضاعف من حجم طوابير البطالة، أو على المستوى الصحي والاجتماعي وخدمات التعليم وغيرها.مصاعب الفلسطينيين في لبنان لا تقع فقط تحت بند الضائقة المالية التي تعاني منها الأونروا، ولا بسبب التوتر الأمني الداخلي والاحتقان الطائفي في لبنان، وإنما سببها الرئيسي أن الكثير من الأطراف اللبنانية تعبد هذا الكابوس الذي اسمه الخوف من التوطين الفلسطيني، وهو خوف مبالغ فيه، ولا أساس له في الواقع السياسي الراهن، ويدخل تحت عنوان النفاق السياسي المكشوف، لأن هذه الأطراف اللبنانية تعلم علم اليقين، أنه في الأربع وستين سنة الأخيرة منذ وقعت النكبة الفلسطينية، جرت محاولتان خطيرتان لتوطين الفلسطينيين في منتصف الخمسينيات، الأولى في صحراء سيناء المصرية، والثانية في دلتا الفرات شمال سوريا، وأن الطرف الحقيقي والرئيسي الذي أسقط تلك المحاولات هم اللاجئون الفلسطينيون أنفسهم وليس أي أحد آخر، لا خوف الخائفين ولا نفاق المنافقين.ونذكر في تلك السنوات الصورة المشرقة التي رسمها الشعب الفلسطيني لنفسه، فقد وقعت هبة كبرى في قطاع غزة ضد مؤامرة الإسكان في سيناء، كان من أبرز رموزها شاعر فلسطين الكبير معين بسيسو والمناضل والمربي الكبير فتحي البلعاوي.كما وقعت هبة مماثلة في سوريا ضد مؤامرة الإسكان والتوطين في دلتا الفرات، وكان من أبرز رموزها المناضل الكبير صبحي ياسين!!!.وطوي الملف، واتضح أن فزاعة التوطين هي فزاعة مفتعلة تستخدم في السجال الداخلي اللبناني ليس إلا.في السنوات الأخيرة طرحت منظمة التحرير الفلسطينية بإجماع الفصائل حتى تلك التي ليست منضوية تحت لوائها، أن الوجود الفلسطيني في لبنان هو وجود مؤقت مهما طال، وأن هذا الوجود الفلسطيني هو تحت سقف الشرعية اللبنانية والقانون اللبناني، وأن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات لا يتمتع بأية حماية شرعية فلسطينية، كما أن السلاح الفلسطيني داخل المخيمات يجب أن يتم تنظيمه وفق المنظومة الأمنية للدولة اللبنانية.ولكن السجالات داخل لبنان وبعض التدخلات الخارجية منعت الحكومات اللبنانية من تنفيذ هذه البنود، بينما بقيت فوبيا التوطين هي اللعبة المفضلة، بحيث أن الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية للفلسطينيين في مخيماتهم، لم يتم تنفيذ أي قدر منها تحت عنوان هذه اللعبة الوهمية والكذبة المفضوحة التي اسمها التوطين.الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني بقيادة مؤسسه الزعيم الخالد كمال جنبلاط وزعيمه الحالي وليد جنبلاط، كان له موقف متميز في هذه المسألة، لأن الحزب رفض استمرار التعاطي مع هذا الكابوس المفتعل الذي اسمه التوطين الفلسطيني، الذي تحركه العديد من التجاذبات والمزايدات اللبنانية التي تصل إلى حد التناقض والمهانة في كثير من الأحيان.فعندما وقعت أحداث مخيم نهر البارد مع ما سمي وقتها باسم فتح الإسلام، تباينت المواقف اللبنانية بشكل بائس، بل إنه حين قررت الدول المانحة التبرع لإعادة بناء المخيم الذي تهدم فوق رؤوس ساكنيه، علق أحد الزعماء اللبنانيين الذي يستغل هذه الفوبيا بالقول بأن المبالغ التي خصصها المجتمع الدولي وهي 500 مليون دولار كبيرة جدا إلى حد أن المخيم حين يتم إعادة بنائه لن يكون مجرد مخيم؟ وهذا منطق عنصري هابط ومقزز ومثير لشكوك أبعد مدى، يؤكد أن اللاعبين في موضوع فوبيا التوطين لايهمهم التوطين بحد ذاته، وإنما الذي يهمهم استمرار استخدام هذه الفوبيا في التجاذبات الداخلية اللبنانية للعديد من الأسباب الأخرى.لعل هذه المبادرة من الوزير وائل أبو فاعور، أحد وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي، تساهم بشكل جدي في حل قضية الاحتياجات الإنسانية للمخيمات وتنهي إلى الأبد هذه اللعبة السقيمة المكشوفة التي اسمها فوبيا التوطين، فليس هناك أكثر رفضا للتوطين من الفلسطينيين أنفسهم، وتاريخهم منذ النكبة حتى الآن خير شاهد على هذه الحقيقة الكبرى.