في الرؤية الفلسطينية وتحديات المحيط

 

بكر أبو بكر

​تقف حركة فتح اليوم كما تقف الحركة الوطنية عامة أمام منعطف تاريخي – وما أكثر المنعطفات في تاريخنا – يتمثل بالموقف الواجب اتخاذه إزاء الصراع العربي – الاسرائيلي في شقه الفلسطيني المكافح، و شقة العربي المؤازر.

​ويقف المجلس الثوري للحركة في دورته الـ 13 اليوم أمام هذه التحديات ليقرأ ويتبصر ويستمع وليقرر أو يتخذ توجهات للقيادة والحركة والأمة، وفي رصد لخطوات الحراك السياسي وتقويم وتصويب لها ، خاصة ونحن نرى مقدارالضعف الذي اعترى الحراك لأسباب داخلية وإقليمية وعالمية.

 

​إن الوضع الفلسطيني يقف اليوم أمام جملة من التحديات يمكننا أن نرسم ثلاثة منها بالشكل التالي:

 أولا : حساسية الوضع الفلسطيني الداخلي الذي يعاني من انقسام ما بين العزم على الوحدة في جهة أو طرف ومن التشكك بالنوايا و التفلت من الالتزامات الوطنية من جهة ثانية، ما كانت نتيجة الانقلاب في غزة عام 2007 حيث نعيش حالة الانقسام الجغرافي والفكري بل والنفسي بين أهلنا في شطري الوطن.

​إن التشكك والتفلت والتفكك الفلسطيني تحدي كبير يحتاج بعد 7 سنوات مديدة إلى وقفه جادة، وقد جرى بالنهر مياه كثيرة جديدة، تأخذ بالاعتبار المصلحة الوطنية أولا وتكرس الانتماء الموحد للإطار الجامع من خلال (م.ت.ف) قوية صالحة، وعبر تمتين أركان السلطة كمقدمة لبناء الدولة ، وحري بنا في هذا الموقف أن نتفق على برنامج سياسي أو ميثاق جامع لا يستثني أحدا، بل ويصبح دليلا للعمل السياسي والتنظيمي الجديد وربما يشكل تعديلا للنظام الأساسي سواء للسلطة أوللمنظمة أو لهما معا.

​إن التشكك بالنوايا يأتي في حالات الضعف رغم مظاهر القوة المسيطرة، وهو ما يحصل من حماس تجاه السلطة وحركة فتح اليوم ، والتشكك بالنوايا دلالة ضعف داخلي هو ما تعاني منه حماس في بطنها وعلى ظهرها من الإقليم لذا فبدلا من أن تقرر بوضوح اللجوء للفعل الوطني عبر المصالحة والتوجه للانتخابات فإنها تخشى ذلك في سياق فهمها أو فهم أطراف فاعلة فيها لمعنى المشاركة بأنها تعني اقتسام للسلطة فقط.

​إن التفلُّت من الالتزامات الوطنية تجاه الفضية والناس والوحدة الوطنية لصالح أن يعيش الناس في أحلام كبري أو أوهام مثل: الخلافة الموعودة أو المهدي المنتظر أودمار (اسرائيل) أو أن السماء ستمطر ذهبا وفضة ما لن يجر على حالمي حماس وغيرها وعلى شعبنا إلا الوبال والخسران المبين،هو ما يجب أن نقابله بإزالة الارتباك بالموافقة على الشراكة الحقة نعم في ظل ميثاق وعهد سياسي جديد يمكّن الفلسطيني من صعود الجبال بإباء وشمم، ويجرّم الاقتتال الداخلي قطعيا، لا سيما وأن الوحدة الوطنية في مسيرة حركة فتح كانت دوما لها الأولوية على الانحسار لفكر الآخرين في مضيق الحزبية.

​أما التحدي الثاني : فهو تحدي الفوضى وإعادة ترتيب المواقع في المنطقة العربية والإقليم، حيث نرى انشغالات عربية عميقة ذات طابع إقليمي في مواجهات مستمرة في معادلة العرب مقابل إيران وخاصة دول الخليج العربي، والعرب مقابل تركيا و"الإخوان"، والعرب مقابل (اسرائيل) وكما تلاحظون أصبحت هي -اسرائيل-في المقام الثالث وربما لا تذكر إلا من باب التزيين (الديكور) بينما حقيقة الأمر أن فوضى الإقليم وإعادة ترتيب المواقع في المنطقة العربية، وفي الإقليم تنشغل بالمحاور والمناهج وتحويرات الصراع.

​إن في الأمة اليوم محاور تطل برؤوسها تقلب معادلة المنطقة إثر 3 سنوات، مما أسمي (الربيع العربي) فنرى اصطفافا جديدا ما بين تيارات المناوءة للإسلام السياسي والزحف الشيعي السياسي ، وما بين تيارات الحفاظ على الأمن القومي الداخلي ما يقابلها من تيار يحاول (دمقرطة) الجماهير.

​في مناهج التفكير السياسي وخاصة بطريقة التعامل مع الاسلامويين أو تيارات الاسلام السياسي وعلى رأسهم الاخوان المسلمين تتوزع الرؤى بين استئصال الاخوان أو التصالح معهم، ما يحتاج في حقيقة الأمر لتفكير معمق لا يلغي المختلفين ويضع أسسا جديدة للاختلاف تعمق من ثقافة الديمقراطية والتعددية والتغيير.

​أما في تحوير الصراع فلقد أصبح جليا أن للدولة العبرية دور و أيما دور في كل ما يدور في المنطقة العربية والإقليم (سياسيا وعسكريا واقتصاديا واستخباريا ... ) وعبر ما تصوره (اسرائيل) وأمريكا على أنه صراع مذهبي ديني وخاصة شيعي – سنى في المنطقة في رغبة متنامية لإعادة تركيب المنطقة وفق منظور ديني مذهبي يقضي على الدولة الوطنية التي نشأت عام 1916 ثم عام 1920 ويقضي على أي أمل بالوحدة العربية أو الجغرافية على النمط الأوروبي الحديث، وفي نفس الوقت يعطي الذرائع القوية لتطالب (إسرائيل) بذاتها دولة خاصة باليهود كما يصرخ نتنياهو يوميا.

 

​أما التحدي الثالث أمام القيادة الفلسطينية والحركة الوطنية (بما فيها حماس والجهاد) فهو كيفية التعامل مع الضغوط الصهيوأمريكية على فلسطين سواء أكان ذلك في الضفة أو غزة أو الخارج وفي إطار دفع المفاوض نحو الحائط فإما الاصطدام وإما لا درب إلا درب التنازلات التي يحلم بها الإسرائيليون ضمن أسلوب (البقرة) في القرآن الكريم من تمييع ومماطلات وأكاذيب وادعاءات تحافظ لهم على الكيان من جهة وتمنعهم من إعطاء أي تعهد أو التزام سياسي.

​إن الوقوف بثبات أمام الضغوط ليس سهلا فنتنياهو وليبرمان وليفني على اختلافاتهما السياسية الداخلية متفقون على تكبيل الفلسطيني بأوهام ما يسمونه (الدولة اليهودية) وما ينبثق عن ذلك من مخاطر لا حد لها علينا في الأغوار والقدس والضفة والقانون وفلسطيني 48 والرواية والتاريخ.

يقول البرفسور اليهودي (ألون بن مائير) :(يجب عدم السّماح لمن يسّمون أنفسهم قادة يهود – الجالسين على كراسيهم المريحة، ويتشاورون حول عدم تقديم التنازلات “على حساب الدمّ الإسرائيلي”- هدر الوقت الضخم والطاقة الهائلة ورأس المال السياسي الذي بذله جون كيري وما يزال يبذله. على هؤلاء ألا يذهبوا فقط لإسرائيل بل للمناطق المحتلّة ويروا بأم أعينهم حياة الفلسطيني المحروم من حريته الشخصيّة، ولا فرصة ولا أمل له بمستقبل ٍ أفضل. ماذا يتوقّع هؤلاء منه أن يفعل؟)

​أن الضغوط الأمريكية بدأت تتقارب مع الإسرائيلية فيما يتبناه جون كيري ودنيس روس الذين يتساوقون مع الشروط الإسرائيلية في محاولة لتحطيم الثوابت الفلسطينية وصمود القيادة السياسية.

​آن لنا أن ننظر بعين فاحصة للضغوط الإسرائيلية منها علينا، ومن العالم الحر على سياساتها العنصرية والفاشية والاحتلالية الملفوظة عالميا ، بما يمكننا من استنهاض قوتنا الذاتية والجمعية في رسم خطة وآليات اشتباك وصراع يومي معها، وأن ننظر للضغوط الأمريكية أيضا من زاوية النقطة الحرجة التي وصلت لها العلاقات الأمريكية مع روسيا ومشكلة أوكرانيا وسوريا...، ومن زاوية الاقتصاد الأمريكي المنهزم ثانيا، وثالثا من زاوية رغبة الامريكان بالخروج الآمن من المنطقة وآخرها من أفغانستان والعراق وتبريد الإقليم للتركيز على مناطق أخرى ما إن لم يحصل سيُحدث الإرباك.

 

​ورابعا في رؤية أمريكية متصاعدة تركز على الصراع ضد التنامي المطرد لقوة الصين وبعض الدول الأخرى دون جدوى حتى الآن، كل ذلك يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية تعيد حساباتها للعمل بالمنطقة-منطقتنا- بقوة لعلّها تسجل اختراقا بالملف الفلسطيني- الإسرائيلي فتتفرغ لشؤونها الداخلية الاقتصادية من جهة ولأولوياتها الأخرى بالشرق أساسا.

​قلنا أن التحديات أمامنا ثلاثة هي: بالفوضى وإعادة ترتيب المواقع حيث ظهور المحاور والمناهج وتحويرات الصراع في الإقليم العربي أو الشرقأوسطي، وثانيا في حساسية الوضع الفلسطيني بين التشكيك بالنوايا والتحركات السياسية والتفلت من الالتزامات الوطنية وبين الإصرار على المسار الوحدوي، وثالثا: تحدي التصدي للضغوط بصلابة والاشتباك، ما يجعلنا نتوقف أمام السراطية (الاستراتيجية) التي تتبعها القيادة الفلسطينية وعلى رأسها أبو مازن التي إن وافقنا على أجزاء هامة منها فإنها تحتاج في جميع الأحوال لحوار وطني شامل وميثاق جديد وكسب أكبر شرائح المجتمع.

 

تنطلق سراطية (استراتيجية)القيادة الفلسطينية والرئيس أبو مازن باعتقادي لتستند لـ7 أركان كالتالي :

1. التعامل مع المفاوضات دون التخلي عن الثوابت والشرعية الدولية، أو الدخول في عقم الاتفاقات المؤقتة أو ما يسمى اتفاق الإطار المرفوض بصيغته المطروحة إعلاميا حتى الآن.

2. توسيع نطاق الاشتباك مع الإسرائيليين من خلال فتح الحوار معهم في عقر تواجدهم عبر ما قام ويقوم به الرئيس ولجنة الاتصال مع الطرف الإسرائيلي من لقاءات وندوات واجتماعات تحاول إعادة صياغة الوعي الإسرائيلي ونظرته بعيدا عن أكاذيب الساسة الإسرائيليين.

3. الانفتاح على الموقف العربي، رغم فوضى الإقليم وعدم وضوح سياق محاوره ومناهجه أو تبلورها، بسلاسة من خلال إشراك الكل العربي الرسمي والشعبي في قضية القدس واللاجئين والدولة والقضية الفلسطينية عامة لأننا مازلنا نؤمن أن العرب جدارنا الواقي وبهم نفوز ويغيرهم ننهزم.

4. تنوع الخيارات من مثل ضرورة اللجوء للمؤسسات الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة وللقانون الدولي، ولتفعيل المقاطعة للإسرائيليين المحتلين والمستوطنات في العالم ما أثبت نجاعته ويتوجب الاستمرار به بالتوازي مع الحراك السياسي.

5. بناء علاقة متوازنة مع القوى الدولية والإقليمية بما فيها إيران وتركيا وروسيا، وحسنا فعل الرئيس أبو مازن بدق هذا الباب عبر الزيارات إلى روسيا وإيران، ما يحتاج لأكثر من ذلك ، وفي ظل أن الصداقة الفلسطينية السعودية والعربية يجب أن تحظى بالأولوية بمعنى دون أي شائبة قد تضر بالأمن العربي والمصالح العربية مطلقا.

6. تصعيد المقاومة الشعبية الميدانية من جهة ، ورسم خطوط جديدة للمقاومة الفكرية عبر بناء ثقافي يشكل جدارا حاميا للعقيدة والرواية والثقافة الفلسطينية التي تفتت أسس الوجود الإسرائيلي أو اليهودي التاريخي الموهوم في هذه الأرض . وتصلّب من القدرة الفلسطينية الميدانية والفكرية والثقافية والنفسية على المواجهة.

7. تكريس مؤسسات الدولة والاقتصاد الفلسطيني ورعاية مصالح فلسطين بشعبها وترابها وبتجمعاتها بالوطن والخارج بلا استثناء.

إننا أمام كل ذلك وأمام هذا المنعطف التاريخي الذي بدأنا به حديثنا، إما أن نقف ك"الخُشُب المسنّدة" بلا حول ولا قوة، ننتظر الهِبَات أو مطر السماء فيكون انتظارنا وترقّبنا في سياقه السلبي، وإما نقف ب"ألسنة حِداد" ضد الحراك الفلسطيني لا نتورع أن نسوطه (نضربه بالسياط) إن أحسن أو أخطأ على قاعدة أنه بالضرورة مخطئ أو خائن أو غير موثوق أو غير شريف أو كافر، وأن  النظر إليه لا تتم إلا بعين الشك والريبة أو الاتهام الدائم. وأما أن نقول لأبي مازن والقيادة "اذهب أنت وربك فقاتلا" ونحن معك مقاتلون ، ومعكم حيث أحسنتم ولا نتورع عن تقويمكم أن أسأتم، فلستم عمر أو علي ولسنا أبوذر رضي الله عنهم أجمعين. وعنا.