هناك من يميلون الى تشبيه المرحلة التي نمر بها اليوم، بتلك الفترة التي حملت مخاطر كبيرة في السنوات الأخيرة للرئيس الشهيد ياسر عرفات، ويتحسّبون من تكرار ما حدث، في حال قال الرئيس «أبو مازن» للأميركيين لا.

إن هذا تحليل خاطئ، لأن البيئة السياسية التي عمل فيها المحتلون على حصار الرئيس عرفات توطئة لتصفيته، هي غير البيئة الراهنة. الفارق الأهم بين البيئتين أن الأولى لعب فيها المحتلون بورقة الكفاح المسلح الذي يسمونه عنفاً أو إرهاباً، وأن الأطراف العربية، مع الأطراف الدولية، قاطعت الزعيم الفلسطيني. وعلى الرغم من ذلك، عندما كان شارون وموفاز يلوّحان بما سمياه فقدان عرفات للصلاحية، كانا حريصين مثلما نُقل عنهما بعدئذٍ، على ألا يترك المجرمون أثراً لجريمتهم. إن البيئة اليوم تختلف، والطرف الإسرائيلي يقترف جرائم إرهاب الدولة، مثلما فعل أمس في الضفة وفي غزة. وهذا الطرف، هو وحده المسؤول عن انسداد أفق التسوية، ولا عمل كفاحياً فلسطينياً بالنيران لكي يستغله لتمرير مواقف احتلاله واشتراطاته الظلامية. ثم إن مسؤولية الجانب الإسرائيلي عن فشل عملية التسوية، لم تعد تلتبس على الأطراف الدولية المتنفذة، وبالتالي إن موقف الإدارة الأميركية بات محرجاً، ونتنياهو هو المأزوم وهو الذي يأخذ إسرائيل الى العزلة الدولية. أما التهديدات بتصفية القيادة الفلسطينية، فإنها لا تتأسس على شيء يمكن أن يقبله العالم، ولا ينبغي أن نكترث لها.

موضع القوة في الموقف الفلسطيني، يكمن في تمسكه بمرجعيات عملية التسوية. أما الاشتراطات السخيفة، كضرورة الاعتراف الفلسطيني بـ «يهودية الدولة» فإنها تعكس أزمة الطرف الإسرائيلي وليس أزمتنا، لأن في معنى هذا الاشتراط، ما يخالف عناصر قيام الدول العصرية ووظائفها، وهو مخالف للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومثلما قلنا مراراً، ليس في وسع الدولة في الولايات المتحدة، أن تطلب من الأمم الأخرى اعترافاً بالتعريف الديني لها كدولة بروتستانتية. فالدول لكل مواطنيها، وعندما نرفض اعترافاً كهذا، لم يُطلب من شعب قبلنا؛ نتساوق مع قيم ومبادئ توافقت عليها الأمم، ويكون المحتلون هم الذين يعودون القهقرى بما وصلت اليه البشرية في صياغة وسبل وضمانات اجتماعها السياسي.

رحلة الرئيس «أبو مازن» الى الولايات المتحدة، ليست إلا مناسبة للتأكيد على شطط الأوساط الحاكمة في إسرائيل، وعلى أن طرحها غير المنطقي، وتمسكها باحتلال الأرض، لن يلقى منا قبولاً. كذلك فإن لقاء أوباما، هو مناسبة للتأكيد على أن السلطة، كإطار انتقالي في اتجاه بسط سيادة الدولة على أراضيها؛ لا يمكن أن تظل في هذا الوضع. بل إن كل يوم يمر، على إحباط بسط سيادة الدولة على أراضيها؛ يتهدد استقرار المنطقة، ويضر بالسلام العالمي، ويغذي التطرف، ويضرب في بُنية المنظومة الدولية على أصعدة القانون والأعراف والعلاقات بين الأمم!

وليس أدل على أن الطرف الإسرائيلي هو الذي يتعين عليه التزام جادة الصواب؛ من تلك المقاربات والتسريبات عن ما يُسمى «اتفاق إطار» ربما يطرحه الأميركيون كمخرج من المأزق. ففي كل ما ذُكر، من بنود وتفاصيل، يشملها هذا «الإطار» الوهمي؛ كان الغرض منه وضع قاعدة للتفاوض، وتخليق الانطباع لدينا بأنهم عازمون على التمسك بما يزيد عن نصف مساحة الضفة، بحيث يتبقى لنا 2000 كم مربع محاصرة أو بلا حدود مفتوحة (من 5800 كم المساحة الإجمالية) لكي نتفاوض لتحسين الشروط ورفع نسبة الأرض التي تُقام عليها الدولة الفلسطينية. وحتى في موضوع القدس، فإن مقاربات وتسريبات «الإطار» الوهمي تجعل العاصمة الفلسطينية المقترحة، في بيت حنينا، وليس في قلب القدس التاريخية. فضاحية بيت حنينا، كانت خارج إطار بلدية القدس ثم ضُمت الى المدينة فيما يسمونه حدود القدس الكبرى.

نحن لن نقبل الاعتراف بـ «يهودية الدولة» ولن نوقع على اتفاق، ولا على إطار اتفاق، لا يقر بحقنا في الأراضي المحتلة في عالم 1967 ولا يؤكد على حقوق اللاجئين الفلسطينيين. وعندما نقول ذلك ننسجم مع أنفسنا، ونلقى تأييد الأمم، ونظل في السياق الصحيح دون أن نخشى شيئاً، ولا خوف من «لا» على الإطلاق!