حياتنا معادلة نعيش مكوناتها بغض النظر ان كانت من صنيعنا أم مفروضة علينا، نحاول أن نعدل ونحسن من مفرداتها لكن لغة الحساب فيها تبقى هي الحاضر الأقوى، وكل منا له معادلته الخاصة به، حتى الأطفال منا يعيشون في كنف معادلاتهم الطفولية وإن غابت عنها منغصات الحياة ومتطلباتها إلا أن معادلاتهم البسيطة لا تخلو من الأرقام الحسابية حتى وإن تقمصت البراءة فيهم.

كنت نهاية الإسبوع الماضي في زيارة إلى الفاضلة أم ضياء الأغا، والدة الأسيرين ضياء ومحمد، المعادلة التي تعيش فيها منذ ما يقارب العقدين من الزمان تتعلق باليوم الذي تلتقي فيه بفلذة كبدها، ومفردات معادلة حياتها ترتبط بذلك حتى وإن تصنعت أحياناً لإخفاء تراكم صور الماضي في حاضرها اليومي، معادلة تداخلت فيها المكونات على مدار عقدين من الزمان.

إثنان وعشرون يوماً وساعتان، ما تبقى للإفراج عن ضياء إن سارت الأمور دون عراقيل، كان من المفترض أن يتنسم ضياء الحرية في الدفعة الثالثة من الأسرى بعد أن خلت الدفعتين الأولى والثانية من اسمه، تعدلت أسماء الدفعة الثالثة في الساعات الأخيرة فغاب اسم ضياء عن القائمة، من تلك اللحظة تعلقت كل الآمال بقائمة الدفعة الرابعة، أتمت ام ضياء تحضيراتها حتى «الزغروده» وما يرافقها من سجع الكلام تم ترتيبه، يوم الافراج عن الدفعة الثالثة من الأسرى غادرت منزلها فجراً لزيارة ابنيها في سجن نفحة، إلتقتهم سوياً، امتد اللقاء لخمس واربعين دقيقة، وهو الوقت المخصص لزيارة الأسير، «شجاعتي هذه المرة خانتني وحمدت الله أن مدة الزيارة اقتصرت على المدة المخصصة لأسير واحد»، هذا ما قالته وهي تصف المشهد، حاولت أن تنهي اللقاء بشيء من التماسك، قالت يبدو أن السماعة أصابها عطب أو أن سمعي ليس على ما يرام، والحقيقة أنها أرادت بذلك أن تحافظ على كتلة المشاعر التي كادت أن تفجر دموعها أمامهما.

وهي تسرد تفاصيل ذلك اللقاء كان لا بد أن نبعدها عن ذلك المشهد، خاصة وأن ما نمتلكه من قدرة على كتم المشاعر لا يطيق أكثر من ذلك، قلت لها مازحاً عدد الأيام المتبقية للافراج عن ضياء نعرفها ولكن ماذا عن الساعتين؟، قالت اعتاد الاحتلال أن يفرج عن الأسرى بعد منتصف الليل، الدفعة الأولى وصلت حاجز بيت حانون الساعة الواحدة والنصف فجرا، والثانية بعد ذلك بعشرين دقيقة، والثالثة بثلاثة دقائق بعد الثانية والنصف فجراً، كأن الاحتلال يريد أن يطوق فرحتنا ولا يريد للنهار أن يسجل تفاصيلها، فيعمد إلى الافراج عن الاسرى بعد منتصف الليل، المعادلة التي تعيشها أم ضياء لا تتعلق فقط بعدد السنين والأيام التي غاب عنها ضياء ومحمد، بل تتعلق ايضاً بعدد الدقائق، وفي كل دقيقة تسترجع ما حفظته الذاكرة من ذكريات الطفولة والصبا لإبنيها.

يوم الافراج عن الدفعة الثالثة غادرت أم ضياء سجن نفحة لتصل إلى معبر بيت حانون عصراً، بقيت هنالك حتى منتصف الليل كي تكون في استقبال الأسرى، «وين يا أم رامي ألاقيك بسلامة رامي أهنيك» هذا ما قالته لصديقتها وزميلتها أم الأسير رامي بربخ التي رافقتها على مدار السنوات الطويلة في الاعتصامات والنشاطات المختلفة المتعلقة بالأسرى، والكثير ممن عرف هذه ة الصابرة المناضلة يتوق لتهنئتها بالافراج عن ابنيها ضياء ومحمد، وإن كان قبلها يتعلق اليوم بموعد الافراج عن الدفعة الرابعة فالمؤكد أن الكثير ممن يعرفها يشاركها في ذلك حتى وإن غابت عنهم تفاصيل معادلتها الحسابية.