بقلم: عبد الباسط خلف
يشعل الطاهي مصطفى السمودي نيران مواقد تكية جنين، منذ مطلع شهر رمضان، ويعطي تعليمات اليومية لفريق مساعديه ولمتطوعين ينشطون في إطار نادي جنين الرياضي.
وراح السمودي يرش التوابل على 30 قدرًا كبيرًا تصاعد بخارها بالتزامن، داخل مقر النادي الذي تأسس عام 1940، وقال: إن "أطباقه تصل فئات خسرت بيوتها ومصادر دخلها".
وتنافست داخل رواق كبير عشرات الأواني على شغل حيز لها، في قلب المبنى القديم لعائلة العبوشي، الذي يستأجره النادي منذ 55 عامًا، وهو بيت كبير أقامته الأسرة عام 1920 في أطراف البلدة القديمة، وقبلها كان مسكونا من عائلة تركية، قبل نهاية الحكم العثماني.
- 3 آلاف وجبة
وقال الطاهي، الذي يعمل منذ 31 عامًا في إعداد أطباق تراثية، إنه يحضر كل يوم ثلاثة آلاف وجبة، تحتاج 200 كيلو من الأرز، و350 كيلو من اللحم، أو 750 دجاجة، إضافة 17 برميلاً كبيرًا من اللبن، و25 كيلو عدس، و20 صندوق بصل، ونحو 3 أكواب ماء، و30 لتر زيت، وكميات كبيرة من التوابل والملح وزبدة الطبخ والفاصولياء المجففة والفريكة.
ووفق السمودي، فإن أطباق أول تكية في جنين، تحتاج 12 إسطوانة غاز كل يوم، فيما يمضي يوميًا 8 ساعات في تفقد قدوره.
بينما كان المتطوع ضياء أبو الحسن منهمكًا في تجهيز قطع الدجاج، ويضعها في أطباق، قال: إنه يعمل في مؤسسة حكومية ويستثمر فائض وقته في العمل بالتكية.
وأضاف: أن توزيع الوجبات ينطلق قرابة الساعة الواحدة، ويصل إلى موائد مئات الأسر المعوزة، التي تعاني آثار العدوان المتواصل منذ 21 كانون الثاني الماضي.
- مؤشر اقتصادي
ووصف أبو الحسن، ازدياد أعداد الوافدين إلى التكية بـ"مقياس اقتصادي"، ودليل على اتساع شريحة الأسر المتعففة، التي تضررت بفعل العدوان المتواصل على المدينة ومخيمها وريفها.
ومن موقعها، أعادت المديرة التنفيذية لنادي جنين الرياضي، يسرى أبو الوفاء، الزمن إلى الوراء، وتوقفت عند عام 2014، تاريخ تدشين تكية جنين، التي كان صاحب فكرتها المرحوم وعضو الهيئة الإدارية للنادي، سيد السيد، وبدأت بـ250 وجبة في كل يوم رمضاني، ثم أصبحت تتضاعف، حتى وصلت الآن إلى 3 آلاف وجبة كل نهار.
وتبعًا لأبي الوفا، يشرف على التكية رئيس النادي، مهند أبو علي و6 من أعضاء الهيئة الإدارية، ويعمل فيها بشكل أساسي 7 موظفين، و20 متطوعًا دائمًا، عدا فريق أطفال وفتيان، و4 مركبات، وعدد من سيارات المتطوعين.
- 600 أسرة
وبينت أن التكية توزع وجباتها على قرابة 600 عائلة في الحي الشرقي، والألمانية، وحليمة السعدية، وخروبة، ومراح سعد، والبساتين، والبلدة القديمة، والسيباط، ومركز المدينة، ولا تقفل أبوابها بوجه من يطرقها ساعة الإفطار.
وأكدت أن الوجبات مختلفة، لكن أساسها الأرز واللبن والفاصولياء واللحوم والدواجن والعدس والفريكة.
وقالت أبو الوفا: إن تكلفة اليوم الواحد من تشغيل التكية يحتاج 30 ألف شيقل، وأن المتبرعين هم رجال أعمال بدرجة أساسية، بينما تكفل أهالي بلدة أبو غوش في القدس المحتلة بتشغيلها أربعة أيام.
وتوقعت أن تنتهي التكية الموسم الحالي بعجز مالي، خاصة في ظل ضائقة اقتصادية بالمدينة، وتراجع التبرعات، وبروز شرائح جديدة من المحتاجين، عدا تقسيم الدعم لتجاوز آثار العدوان المتواصل على مخيم جنين.
بينما أفاد المتطوع، محمد العليات، الذي يعمل مدرسًا إنه بدأ في التكية منذ 7 سنوات، وكان شاهدا على ارتفاع أعداد الوجبات التي تقدمها، لكن هذا العام كان صعبًا بسبب الاجتياح المستمر للمدينة ومخيمها.
وأفاد، وهو يساعد في تجهيز الأطباق الفارغة، بأن تأسيس عدد جديد من التكايا في المدينة ومحيطها، مؤشر واضح على الحاجة الماسة للأهالي.
وتقود النادي هيئة إدارية من تسعة أشخاص من أبناء المدينة بينهم أكاديميون ورجال أعمال وشخصيات عامة، وتديره اليوم سبع سيدات، إضافة إلى عدة إداريين.
- سيرة حافلة
واستطاع النادي، إضافة إلى التكية، ترك بصمة في تاريخ المدينة وحقق أرقامًا محترمة في كرة السلة وكرة القدم، واستطاع الفوز بمنافسات المصارعة الحرة، وقدم برامج لتطوير المهارات المهنية عدة، عدا التفريغ النفسي للنساء، والتطريز، والشمع، والخرز.
فيما أكد رئيس النادي الأسبق، جهاد أبو سرور، أن النادي تعرض للاستهداف، وأعيد افتتاحه عام 1992، بعد قرار الاحتلال إغلاقه بدايات 1985؛ بدعوى خروج خلية مسلحة من أعضائه، ووقتها جرى اتلاف أرشيف النادي ومقتنياته العتيقة وكؤوسه.
وأوضح بأن ما يسمى الحاكم العسكري طالب إدارة النادي بتغيير اسمه، مقابل حصوله على دعم مالي، لكن الهيئة الإدارية رفضت، وردت بأنه ليس من حقها التصرف بجزء من تاريخ المدينة وذكرياتها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها