بقلم: ميساء بشارات
في الأزقة الضيقة التي حفظت صدى الخطى، وبين جدران تحمل آثار الزمن وندوب الحصار، تواصل تكية مخيم بلاطة تقديم وجبة الكرامة وملء الصحون بما تيسر من الخير، في وقت تتراكم فيه الأزمات الاقتصادية فوق رؤوس العائلات اللاجئة التي وجدت نفسها عالقة بين مطرقة البطالة وسندان ارتفاع الأسعار.
تكية بلاطة، التي تأسست قبل 25 عامًا لم تكن يومًا مجرد مشروع خيري موسمي، بل تحولت مع الزمن إلى ما يشبه البيت الكبير لكل محتاج، تحمله لجنة الخدمات الشعبية في مخيم بلاطة على عاتقها، بتمويل من أهل الخير، المتبرعين، وأبناء المخيم في الداخل والخارج.
يتحدث المشرف العام على التكية ورئيس لجنة خدمات مخيم بلاطة، عماد زكي، عن هذا المشروع الإنساني الذي يحمل ثقلاً كبيرًا، لكنه ضروري، قائلاً: "هذه التكية ليست مجرد أقدار على النار، إنها ملاذ للناس في رمضان، في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة، إنها بمثابة صمام أمان، تغذي الأرواح قبل الأجساد".
- رمضان شهر العطاء اليومي
في شهر رمضان من كل عام، تتحول ساحة التكية إلى خلية نحل لا تهدأ. يقول زكي: إن التكية تقدم وجبات يومياً لأكثر من 500 أسرة، حيث تراعي خصوصية كل عائلة في حجم الوجبة وعدد أفرادها، إذ يوجد أسر تحتاج إلى وجبة تكفي لشخصين، ومنها من تحتاج إلى وجبة تكفي لعشرة أفراد أو أكثر.
ويوضح: "نحن نوزع الوجبات على ثلاثة مستويات: للعائلات الصغيرة، والمتوسطة، والكبيرة، وكل أسرة تأخذ ما يسد حاجتها، دون زيادة ولا نقصان".
- ازدياد الحاجة
بحسب زكي، فقد شهد هذا العام ارتفاعًا غير مسبوق في أعداد الأسر المحتاجة، نتيجة تزايد معدلات البطالة، خصوصًا بين العمال الذين فقدوا مصدر دخلهم بعد تقييد دخولهم إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر، إضافة إلى تقليص الرواتب وصعوبة الأوضاع الاقتصادية العامة.
ويوضح زكي: "كنا متخوفين من عدم توفر الدعم المالي الكافي للاستمرار في التكية في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لكن رغم كل شيء، الخير ما زال موجودًا، والناس تبرعت بسخاء، خاصة مع بداية الشهر الفضيل".
- آلية العمل والتوزيع
العمل في التكية ليس عشوائيًا، وهناك برنامج أسبوعي للوجبات، يتم تحديد نوع الطبخات فيه مسبقًا، مع الحرص على التنويع بين اللحوم، الدجاج، الخضار، والحبوب، بحسب ما يتوفر من تبرعات.
ويؤكد زكي على أنهم يضعون برنامجًا غذائيًا متكاملاً لكل أسبوع، ويتم التنسيق مع المتبرعين في الداخل والخارج. اليوم مثلاً الطبخات جاءت بدعم من أهل القدس، أما عن آلية التوزيع، يقول زكي: إن "70% من الأسر تحضر لاستلام وجباتها مباشرة من مقر التكية، بينما يتم إيصال 30% من الوجبات إلى بيوت العائلات التي لا تستطيع الحضور، مثل الأسر التي لا يوجد لها معيل، أو التي يعيش فيها كبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة".
ولدى تكية مخيم بلاطة فريق متطوعين من لجنة الخدمات، يقومون بتوصيل الطعام إلى البيوت، لضمان عدم حرمان أي شخص من نصيبه.
- العمل التطوعي.. والقلوب المفتوحة
التكية تشغل طباخين محترفين بعقود عمل، إلى جانب مجموعة من العاملين بعضهم بعقود موقتة، بالإضافة إلى عدد من المتطوعين الذين يقدمون وقتهم وجهدهم مجانًا.
ورغم كل التحديات، تبقى الروح المعنوية عالية. يقول زكي بابتسامة تعبر عن صبر السنوات: "حتى في ظل الاقتحامات والظروف الأمنية الصعبة، نصر على أن تظل التكية مفتوحة خلال شهر رمضان، فهذه ليست مجرد وجبات بل عنوان صمود أهل بلاطة".
زكي يفتح الباب أمام كل من يرغب في دعم التكية، مؤكدًا أن التبرعات لا تقتصر على أهالي نابلس، بل تشمل متبرعين من مختلف المحافظات وحتى من الشتات الفلسطيني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها