بقلم: بسام أبو الرب
لم تغب عن ذاكرة المواطن محمود غزال (63 عامًا) سائق إحدى المركبات العمومية من بلدة بيت فوريك شرق نابلس، تلك القصص والمواقف التي عاشها عند الحواجز المحيطة بمدينة نابلس، والتي ما زالت تخطر على باله كلما حاول عبور أحد الحواجز.
يعمل المواطن غزال سائقًا عموميًا منذ 27 عامًا، على خط بيت فوريك نابلس، ويحرص دائمًا على اصطحاب مخدته وفراشه وزاده في المركبة التي يقودها؛ بسبب قضائه وقتًا طويلاً وساعات من الانتظار؛ خاصة عند حاجز بيت فوريك الذي يصفه بالأصعب.
ويقول غزال: "كلما وصلت إلى الحاجز تخطر على بالي تلك القصة التي عشتها خلال الانتفاضة الثانية، عندما كنت أنقل إحدى حالات الولادة من بلدة بيت فوريك إلى المستشفى في نابلس، وعندما اقتربت من الحاجز قال لي الجندي، تستطيع المرور ولا يمكنك العودة مرة أخرى، وعندما وصلت إلى المستشفى وجدت هناك أربع نساء من البلدة ذاتها قد وضعن مواليدهن ويردن العودة إلى بيت فوريك، وفي الصباح عدت إلى الحاجز ومعي خمس نساء وخمسة أطفال حديثي الولادة".
ويضيف: "عندما وصلت إلى الحاجز وبعد تفتيش المركبة، كان الجنود يتحدثون ويقول أحدهم للآخر (انظر نحن نقتلهم كي لا يتكاثروا.. انظر ها قد عاد ومعه خمسة أطفال وليس طفلاً)، وبعد ذلك حالوا التنغيص علينا واحتجازنا لساعات، وكانت النساء في حالة إعياء وتعب، والأطفال بحاجة إلى رعاية، فتناولوا حلبيهم عند الحاجز وكانت تلك أيامًا صيفية حارة جدًا".
ويتابع: "في إحدى المرات كان معي أحد الرجال كبار السن، وكان ينوي الذهاب إلى مدينة نابلس، كنا وقتها نُنزل الركاب قرب الحاجز ويكملون الطريق سيرًا على الأقدام، وفجأة تعرض لوعكة صحية، فحاولت العبور به إلى الحاجز من أجل نقله إلى المستشفى، إلا أن الجندي قال لي: "خليه يرجع يموت في بيت فوريك"، وبالفعل رجعت إلى البلدة إلا أنه فارق الحياة، هذه كانت من أصعب المواقف التي عايشتها في حياتي".
وتعيش محافظة نابلس هذه الأيام حالة من الحصار؛ في ظل انتشار حواجز الاحتلال عند مداخلها ومحيطها، فضلاً عن البوابات الحديدية التي نصبها عند مداخل القرى والبلدات، الأمر الذي فاقم معاناة الأهالي وأعاق تحركاتهم، وجعلهم ينتطرون لساعات وسط طوابير من المركبات.
ويقول غزال: "رغم صعوبة تلك الأيام، فإن ما نشهده اليوم من إغلاق وتضييق عند الحواجز خاصة في محيط نابلس، أصعب بكثير من تلك الأيام، فجنود الاحتلال يتلذذون بتعذيب الشعب الفلسطيني، ويجبرونه على المكوث عند الحواجز لساعات طويلة؛ فقط من أجل جعل حياته أصع، فيفكر في الهجرة".
وأضاف: "قبل عدة أشهر، مكثت عند الحاجز نحو عشر ساعات، المسافة من مدينة نابلس إلى بلدة بيت فوريك فقط 3.5 كم استغرقت هذا الوقت، وهذه معاناة يومية نعيشها منذ سنوات، لكن زادت حدتها عقب الحرب على قطاع غزة"، مؤكدًا أن جنود الاحتلال يتصرفون بشكل همجي ويحاولون تعذيب الناس بكل الأساليب، فتجدهم يغلقون الحاجز دون سبب، في حين أنهم يتبادلون الحديث ويلعبون ويرقصون.
وتُعتبر محافظة نابلس حلقة الوصل بين محافظات شمال الضفة الغربية ووسطها وجنوبها، حيث ينشر الاحتلال في محيطها عددًا من الحواجز التي تعزل الطرق الواصلة بين شمال الضفة الغربية ووسطها وتقطعها.
بدوره، قال محافظ نابلس غسان دغلس: "إن المحافظة تعاني حصارًا مشددًا يعمل على تقويض مناحي الحياة، ويعيق تنقل المواطنين من المدينة وإليها، بسبب انتشار الحواجز الإسرائيلية في محيطها، وإغلاق عدد من الطرق بالسواتر الترابية والبوابات الحديدية".
وأضاف: أن قوات الاحتلال أقامت عشرة حواجز دائمة حول مدينة نابلس، فيما نصبت 38 بوابة حديدية عند مداخل المدينة والقرى المحيطة بها، وأغلقت 47 موقعًا بالسواتر الترابية.
وتابع دغلس: أن الوضع صعب للغاية، في ظل الإغلاق التام للحواجز المنتشرة حول مدينة نابلس، هناك حالات مرضية بحاجة إلى مستشفيات، مثل: مرضى الكلى، فضلاً الحالات الطبية الطارئة خاصة في الريف الجنوبي والشرقي للمحافظة، إضافة إلى انتشار فرق جديدة لجيش الاحتلال، كان بعضها يشارك في الحرب على قطاع غزة، فضلا عن الاقتحامات المتكررة للمدينة والقرى والبلدات المحيطة.
وكان رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، قد قال: إن منهجية الإغلاق الشامل للجغرافيا الفلسطينية، من خلال الحواجز والبوابات العسكرية وجدار الفصل والتوسع العنصري، لم يكن الهدف منها التحكم في حركة الفلسطينيين على الشوارع وحسب، بل أرادت من خلال ما يزيد على 912 حاجزًا وبوابة عسكرية وجدار فصل يصل طوله إلى أكثر من 700 كم، أن تعيد تشكيل الجغرافيا بأهواء المحتل المريضة، وتحول الضفة بما فيها القدس إلى معازل وكانتونات ضيقة، طاردة للعيش والسكن، وخاضعة لأعتى منظومة رقابة وتحكم في حياة الواقعين تحت الاحتلال، معدمة تماماً إمكانية التواصل ليس فقط بين محافظتين متجاورتين، بل تتعداها إلى إعدام التواصل بين القرية والقرية التي تجاورها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها