بقلم: زهران معالي
في منطقة الجابريات المطلة على مخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية، الذي تحول إلى مسرح عمليات لجيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن عدوانه العسكري منذ 35 يومًا، تتمركز ثلاث دبابات من نوع "ميركافا 4" منذ أكثر من 24 ساعة، وذلك للمرة الأولى منذ اجتياح الاحتلال مراكز المدن الفلسطينية خلال الانتفاضة الثانية عام 2002.
ومنذ 21 كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على مدن ومخيمات شمال الضفة الغربية، حيث تركّز في محافظات جنين وطولكرم وطوباس، ما أسفر عن استشهاد 61 مواطنًا بينهم نساء وأطفال وفق وزارة الصحة، ونزوح أكثر من 40 ألف مواطن قسرًا، وتدمير مئات المنازل والبنية التحتية.
هذا التصعيد الجديد في العدوان جاء في ظل تصريحات وزراء في حكومة الاحتلال تتمحور حول ضم الضفة الغربية؛ لا سيما تصريحات وزير المالية المتطرف بتسئيل سموتريتش، ووزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس الذي أصدر توجيهاته للجيش بالاستعداد للبقاء بشكل مستمر في المخيمات المستهدفة، وعدم السماح بعودة النازحين إلى المخيمات، والتأكيد على أن جيش الاحتلال سيوسع عدوانه في الضفة الغربية.
ويؤكد محللون سياسيون أن توسيع العدوان العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية، يأتي في إطار استعراض القوة ومحاولة فرض واقع جديد لتحقيق أهداف سياسية.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية أيمن يوسف، أن دخول دبابات الاحتلال إلى مدينة جنين يحمل بعدًا استعراضيًا، موضحًا أن جيش الاحتلال دفع بالدبابات إلى جنين وهو يدرك تمامًا أنه ليس لها هدفًا عسكريًا واضحًا، وربما يشير إلى نيته البقاء في جنين لفترة طويلة.
ويشير إلى أن الهدف الآخر لدخول الدبابات يأتي في إطار توسيع العدوان إلى مناطق ريف جنين، حيث شهدت بلدات قباطية واليامون والسيلة الحارثية اقتحامات متواصلة، وربما يتدرج العدوان إلى مناطق أوسع.
وينوه يوسف، إلى أن هذه الحركة من المنظور السياسي تشي بأن العملية تتوسع في مناطق ما بعد جنين وطولكرم وما بعد طوباس، وربما تشمل نابلس في الأيام المقبلة عملية اقتحام أكبر وأوسع، لافتًا إلى أن ذلك، بأنه يأتي إرضاءً لحكومة اليمين المتطرفة وسط تهديدات من بن غفير وسموتريتش، مؤكدًا أن ذلك يعني قتل أي إمكانية لدولة فلسطينية متواصلة الجغرافيا، وتحويل الضفة الغربية إلى "كانتونات" معزولة عن بعضها البعض.
من جهته، يؤكد رئيس مركز القدس للدراسات التابع لجامعة القدس، أحمد رفيق عوض، أن ما يجري ليس استعراضًا للقوة، خاصةً أن ما ارتكبته دولة الاحتلال بحرب الإبادة في قطاع غزة لا يحتاج إلى مزيد من استعراض القوة.
ويضيف: أن إسرائيل تريد الحرب في شمال الضفة الغربية لأهداف كثيرة منها: تقديم رشوة للشركاء السياسيين في حكومة اليمين المتطرف، إضافة إلى أنها تؤسس لمرحلة الضم وضرب السلطة الفلسطينية وإسقاط حل الدولتين، وتدمير المخيمات وإلحاقها بالمدن قانونيًا وإداريًا، وبالتالي تحاول أن تقضي على وجود المخيمات كرمز معنوي بعد ضربها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، باعتبارها عنوانًا دوليًا وخدماتيًا.
ويشير إلى أن ما يجري شمال الضفة الغربية، يؤكد أن إسرائيل تريد الحرب، وأن تحقق كل أهدافها السياسية في ظل صمت دولي، موضحًا أن إسرائيل تنفذ حربًا وتحاول أن تجعلها حربا حقيقية، وتريد أن تصورها للجمهور الإسرائيلي على أنها حرب حقيقية في حين أنها حرب سياسية بالدرجة الأولى.
وحول تصريحات وزير جيش الاحتلال، يؤكد عوض أنها مخيفة وخطيرة، وتحمل إقرارًا بنية إسرائيلية لضم الضفة الغربية، وإعلان السيادة الإسرائيلية التي تبدأ بشمال الضفة الغربية وقد تنتقل إلى الوسط والجنوب.
ويتابع: في ظل الواقع السياسي والاقتصادي بالضفة الغربية، ليس هناك أي بنية عسكرية في الضفة الغربية ولا يمكن مجابهة ما يجري عسكريًا، ولكن يمكن مجابهته سياسيًا ودبلوماسيًا بعدم الخضوع لأهداف إسرائيل.
ويشير إلى أن إسرائيل تريد مواجهة عسكرية بالضفة عبر دفعها الدبابات إلى جنين، وعمليًا تبحث عن رد عسكري لتبرير لجوئها إلى استخدام الدبابات، مضيفًا: "بعد ما حدث في غزة وشمال الضفة الغربية وعقلية جيش الاحتلال، أعتقد أن الرد الشعبي يجب أن يكون محسوبًا جدًا ودقيقًا وحذرًا".
ويشدد على أن المطلوب فلسطينيًا فقط الصمود على الأرض وتشكيل جبهة عربية ودولية من أجل تعرية الموقف الإسرائيلي ومحاصرته والتأكيد أنه غير قانوني ولا يتفق مع القوانين الدولية.
وفي السياق، حذر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، من تصعيد قوات الاحتلال عدوانها المدمر على شمال الضفة الغربية، من خلال إجبار 40 ألف مواطن فلسطيني على التهجير من مناطق سكناهم، وتفجير المنازل والأحياء، وتدمير البنية التحتية بشكل ممنهج، خاصة في مدن جنين ومخيمها، وطولكرم ومخيميها، وطوباس ومخيمها، والذي يأتي مترافقاً مع التهديد بعودة الحرب في قطاع غزة.
وأضاف: "نحذر من خطورة استكمال سلطات الاحتلال لما بدأته في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية، في الضفة الغربية، من خلال اقتحام المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وقتل واعتقال المواطنين، وتدمير المدن والمخيمات، واستمرار الاستيطان ومحاولات الضم والتوسع العنصري، وعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها البعض".
وتابع أبو ردينة: "نطالب الإدارة الأميركية بإجبار دولة الاحتلال على وقف العدوان الذي تشنه على مدن الضفة الغربية فوراً، وتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إذا ما أرادت تجنيب المنطقة المزيد من التوتر والتصعيد، لأن البديل هو استمرار التخبط وحروب بلا نهاية في المنطقة".
وجدد الناطق الرسمي باسم الرئاسة، التأكيد على أن مستقبل فلسطين يقرره الشعب الفلسطيني بقراره الوطني المستقل، وبموافقة منظمة التحرير الفلسطينية على أية حلول، ولن يقبل بالوطن البديل أو التهجير أو دولة دون القدس.
كما حذرت وزارة الخارجية والمغتربين، من استقدام جيش الاحتلال دبابات ثقيلة إلى محيط جنين، واعتبرته مقدمة لتعميق عدوانه وتوسيع جرائمه ضد شعبنا عامة، وفي شمال الضفة ومخيماتها خاصة، في وقت تفاخر به وزير جيش الاحتلال بأن جيشه سيمنع عودة المواطنين المهجرين من المخيمات إلى منازلهم، وأوعز ببقاء الجيش لفترة طويلة.
واعتبرت الخارجية في بيان لها، تصريحات كاتس واستقدام الدبابات وترهيب المواطنين المدنيين العزل وتهديدهم باستخدامها، يمثل تصعيداً خطيراً للأوضاع في الضفة، ومحاولة مكشوفة لتكريس حرب الإبادة والتهجير ضد شعب اعزل.
وشددت على ضرورة تدخل المجتمع الدولي بشكل عاجل للجم عدوان الاحتلال المنفلت من أي قانون أو اتفاقيات موقعة، وإجباره على وقف عدوانه ضد شعبنا وحقوقه وفي مقدمتها بقاؤه على أرضه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها