تستضيف القاهرة إجتماع القمة العربي الطارئ في ظل مرحلة من أخطر المراحل التي تستهدف الأمن القومي العربي الذي بدأت ملامح تطبيقه في إستمرار الكيان الإسرائيلي الإرهابي بتصعيد وتكثيف حرب الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، واحتلال أراضٍ جديدة في كل من سوريا ولبنان، ما يحمل ويتطلب من القادة العرب إتخاذ موقف موحد ليس رافضًا للمخطط الإسروأميركي فحسب بل متصديًا للمشروع العدواني التوسعي الإسرائيلي كوكيل عن الولايات المتحدة الأميركية الذي يستهدف رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط بتقسيم دول عربية كبرى ولضمان نفوذها وهيمنتها وسطوها على ثروات الدول العربية لعقود قادمة وتسييد "إسرائيل" لقيادة المنطقة العربية وتغييب لمظاهر سيادتها.

- فلسطين قضية جامعة:

التراخي العربي الرسمي وغياب إستراتيجية عربية موحدة تكفل وتضمن وتصون الأمن والاستقرار ووحدة أراضي الأقطار العربية وفق رؤية شمولية  على مدار العقود السابقة بالتعامل من موقع الندية والمصالح المشتركة مع دول العالم وخاصة مع أميركا كونها الدولة العظمى التي بحكم إنحيازها ودعمها اللامحدود للكيان الاستعماري العنصري الإسرائيلي بالإنقلاب على واجباتها كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن بالعمل على ترسيخ الأمن والسلم الدوليين ومتابعة ضمان تنفيذ القرارات الدولية بغض النظر عن الفصل التي تمت بموجبه إصدارها، مما مكنها من شن حروب عدوانية توسعية أسفرت عن احتلال أراضي عدد من الدول كما أسفرت عن إحتلال باقي أرض فلسطين التاريخية في إنتهاك صارخ وجسيم لميثاق ومبادئ وأهداف الأمم المتحدة كما حالت وتحول دون إلزام سلطات الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي بوقف جرائمها ورفض تنفيذ مئات القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وعن مجلس الأمن منذ عام 1947.
هذا الحال العربي المتشظي شكل حافزًا للولايات المتحدة الأميركية مع قرب نشوء نظام عالمي جديد الإنتقال بمخططها التوسعي عبر أداتها إسرائيل لمرحلته الثانية بعد أن خالها النجاح بتحقيق تصفية القضية الفلسطينية عبر:

▪︎ تقويض إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة تنفيذًا للقرارات الدولية ذات الصلة ولقرار محكمة العدل الدولي القاضية بعدم شرعية وقانونية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة.

▪︎ بتهجير قسري للشعب الفلسطيني خارج وطنه التاريخي "جريمة تطهير عرقي" بدءًا من قطاع غزة تمهيدًا للانتقال بنفس السيناريو إلى الضفة الغربية وما يمثله من مس بالأمن القومي الأردني والمصري.

إن استهداف الدول المحيطة بفلسطين المحتلة "الأردن وسوريا ولبنان ومصر" ونجاح المخطط الإسروأميركي لا سمح الله بما يمثله من سياج حامٍ ومانع يعني الإنتقال إلى المحيط الثاني من مركز الدائرة "فلسطين" إما بالقوة العسكرية المباشرة أو إثارة زعزعزات أمنية واقتصادية واجتماعية في مسعى للمس بشرعية أنظمة حكم وتفتيت جبهاتها الداخلية.
ما تقدم يشير إلى أن القضية الفلسطينية ببعدها القطري لم تعد كما يحلوا للبعض اعتبارها بأنها قضية لا تعنيه، هروبًا من مسؤولياتها وتنفيذًا لضغوط أميركية، وإنما هي قضية عربية قومية عربية وإسلامية بامتياز.

- أهداف العدوان الإسرائيلي:

للعدوان الإسرائيلي الإرهابي المدعوم أميركيًا أهدافًا عديدة منها:

- أولاً: التهجير القسري بإقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه بهدف إقامة دولة يهودية خالية من أي ديانة أخرى على كامل أرض فلسطين التاريخية.

- ثانيًا: التحرر من الالتزامات المترتبة على الكيان الاستعماري الإسرائيلي بموجب المعاهدات والإتفاقيات الثنائية المبرمة برعاية أميركية وأممية كاتفاقية كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وما قد تعنيه من تغييرات جغرافية وديموغرافية.

- ثالثًا: تقويض الأمن والسلم الإقليمي لضمان النفوذ والهيمنة الاستعمارية الأميركية المباشرة وغير المباشرة.

- رابعًا: إدماج إسرائيل باستراتيجيتها العدوانية التوسعية بالوطن العربي الكبير دون احترام لحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بما يمكنها فرض سطوتها المستندة للقوة الأميركية على استقلالية القرار السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والتكنولوجي في الدول العربية خدمة للمصالح الأميركية.

- خامسًا: منع أي شكل من أشكال القرار العربي الوحدوي أو التنسيقي لحماية الأمن والاستقرار وتحقيق النهضة العلمية والصناعية والعسكرية بما يؤهلها لتبوأ قطب فاعل على الساحة العالمية ويكفل حريتها وسيادتها الفعلية على ثرواتها واستقلالها.

- سادسًا: إخضاع كامل المنطقة العربية سياسيًا واقتصاديًا للنفوذ الأميركي وترسيخ سياسة فرض الأمر الواقع المستند للقوة العسكرية الغاشمة لعقود قادمة.

- المطلوب من قمة القاهرة التصدي للمخطط الإسروأميركي:

ما تقدم يتطلب من قمة القاهرة وضع إستراتيجية موحدة للتصدي للمخططات الصهيوأميركية قوامها:

- أولاً: تجميد جميع أشكال الخلافات البينية على طريق حلها نهائيًا.

- ثانيًا: تشكيل مظلة أمنية وعسكرية دفاعًا عن الأمن القومي العربي والحيلولة دون الاستفراد بكل دولة على حدى.

- ثالثًا: إتخاذ الإجراءات والتدابير الفاعلة للضغط على أميركا سياسيًا واقتصاديًا وعلى أداتها الكيان الإسرائيلي الإرهابي بقطع كافة أشكال العلاقات والعمل على تجميد عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإرغامها على تنفيذ القرارات الدولية بدءًا من قرار 181 و273 وصولاً لباقي القرارات الصادرة عن الجمعية العامة بدورتها الأخيرة ولقرارات مجلس الأمن حتى قرار 2334 ولإحترام مبادئ وأهداف وميثاق الأمم المتحدة.

- رابعًا: تبني موقف عربي موحد للرؤية الفلسطينية وتطويرها والبناء عليها إيجابًا "إن لزم الأمر" التي تقدم بها الرئيس محمود عباس للقمة وتجديد التأكيد على الالتزام بالمبادرة العربية الصادرة عن قمة بيروت عام 2002 وترجمة مضامينها عمليًا عبر إتخاذ إجراءات عملية ضاغطة، لفرض تنفيذها وتمكين الشعب الفلسطيني من الحرية والاستقلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها عنوة عام 1948.
 
- خامسًا: تفعيل إتفاقية الدفاع العربي المشترك عمليًا واتفاقية التكامل الاقتصادي وكافة الاتفاقيات العربية المشتركة بإخراجها من الإدراج المغلقة.

- سادسًا: الإيمان بأن إفشال المخطط الإسروأميركي بفلسطين ومحيطها السبيل الوحيد لصون وحماية الأمن القومي العربي الشامل، فالقضية الفلسطينية لم تعد تقتصر بأبعادها ونتائجها على فلسطين وإنما تمتد على الوطن العربي الكبير سلبًا كان أم إيجابًا مما يتطلب من جميع الدول العربية أن تتعامل معها كقضية داخلية.

قمة القاهرة تكتسب أهمية غير عادية من حيث توقيتها وأهدافها برفض التهجير والمس بالأمن القومي الأردني والمصري كمقدمة لاستهداف الأمن القومي العربي بمفهومه القطري والشامل.
فلسطين كانت وستبقى مركز الصراع العربي الإسرائيلي وإن دعم نضال وصمود شعبها على أرضه التاريخية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتى الحرية والاستقلال، دفاعًا عن سيادة وأمن الوطن العربي الكبير بأقطاره.
الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي يتطلع لقمة القاهرة الطارئة بثقة للإنتقال بترجمة مركزية القضية الفلسطينية ووحدة الموقف من المربع النظري إلى مربع العمل الذي يفرض نفسه قطبًا مستقلاً فاعلاً على الساحة الدولية ضامنًا وكافلاً لأمنه ومصالحه وسيادته.
يجب عدم الإستهانة بمقومات القوة العربية بما تتمتع به وتمتلكه من مكانة جيوسياسية واقتصادية وديموغرافية يؤهلها للتعامل مع ترامب من موقع الندية.

- فليكن شعار القمة للتعامل مع أميركا بمعادلة الميزان ذا الكفتين:

• الأولى المصالح المشتركة 

• والثانية مقابلها إلزام إسرائيل إنهاء احتلالها لأراض الدولة الفلسطينية ولجميع الأراضي العربية المحتلة.

ترامب يقول السلام من خلال القوة أي إقصاء لقوة الحق والعدل، هذا القول يستدعي من مؤتمر القاهرة الوقوف عنده والتحول لتعزيز وتجسيد عوامل قوتنا العربية المشتركة إلى قوة معادلة تكفل أمن واستقرار وازدهار الوطن العربي وسيادته وحرية فلسطين واستقلالها تبقى العنوان. لا مكان للضعيف على الساحة العالمية، وبات أمرًا ملحًا العمل على مغادرة مربع الضعف.