مع اقتراب انعقاد دورة المجلس الثوري لحركة "فتح" غدًا، تبرز العديد من التحديات السياسية التي تتطلب منا وقفة جادة لتقييم دور الحركة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا الوطني. ففي وقت تتسارع فيه الأحداث على الساحة الفلسطينية والإقليمية والدولية، تقع على عاتق حركة "فتح" ومجلسها الثوري مسؤولية قيادة الفعل الوطني التحرري ضد المُحتل الإسرائيلي.

حركة "فتح" التي تأسست كحركة تحرير وطني تجمع الكل الفكري الفلسطيني وبما جسدته من مفهوم الكيانية والهوية الوطنية بعد جريمة النكبة، كانت ولا تزال الحامل الأساسي للمشروع الوطني الفلسطيني. وإذا كان من الضروري إصلاح وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وهو أمر ضروري، فإن هذا يجب أن يتحقق أساساً بتطوير "فتح" لنفسها على الصعيدين التنظيمي والبنيوي والسياسي. إصلاح المنظمة لن يتحقق دون الدور والأداء المتجدد لحركة "فتح" داخليًا، مما يجب أن يعكس تجديدًا حقيقيًا في ضرورة فهم وممارسة الأداء الوطني والديمقراطي.

إن عملية التطوير تتطلب أكثر من مجرد قرارات في هذا الاجتماع، بل تستدعي العمل الجاد على الأرض لتحسين الأداء على كافة المستويات وتعزيز تواصل الحركة مع أبناء شعبنا في الداخل والشتات الذي بات يفصل البعض منهم عنها جدارًا قد شيدته ربما الحركة حول نفسها بنوع من الإجراءات. من غير الموضوعي مناقشة إصلاح منظمة التحرير دون دور ريادي لحركة "فتح"، فهي الأقدر على دفع عجلة الكفاح الوطني من خلال تقوية مؤسساتها التنظيمية وضرورة عقد مؤتمرها بالوقت الذي يسمح وباتساعها لكل الأفكار الوطنية دون محاولات احتكار الحقيقة أو النتيجة، وابتكار طرق لمواجهة التحديات، وهي مسوؤلية يجب أن ترتقي لها "فتح" اليوم، فإذا كانت بخير سيكون الكل الوطني بمثلها، هذا ما يؤكده الآخرين من الطيف الوطني الذين يحرصون على دور "فتح".

اليوم المجلس الثوري لحركة "فتح" مطالب بتحديد ملامح المرحلة المقبلة، وتوضيح استراتيجيات الحركة لمواجهة الممارسات الإسرائيلية بوضوح، خصوصًا في ظل المخططات التي تهدف إلى تهجير شعبنا الفلسطيني وفرض واقع جديد عبر المشروع الاستيطاني "إسرائيل الكبرى" ركيزة مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الاستعماري الذي تسعى الولايات المتحدة له بالمنطقة. كما يجب على المجلس الثوري إيلاء اهتمام خاص بدور "فتح" في دعم المقاومة الشعبية، وتقديم رؤى لنجاح المقاومة السياسية والدبلوماسية والقانونية من خلال تصويب الأداء الوطني السياسي المقاوم والمهني المطلوب في هذه المرحلة المفصلية، إلى جانب تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير كجبهة وطنية واسعة، بهدف تحقيق الأهداف والحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف وإنهاء الاحتلال أولاً.

وفي ظل التطورات السريعة على المستويين الإقليمي والدولي إلى جانب المتغيرات الوطنية، هناك حاجة ملحة لتقييم المسيرة الطويلة من الكفاح الوطني "لفتح"، ومراجعة نقدية شاملة للبرامج والأدوات وفق المتغيرات المتسارعة التي تضرب في العالم. هذا التقييم يجب أن يصل بنا لرؤية وطنية واضحة وواقعية لمستقبل "فتح" والحركة الوطنية الفلسطينية التي أصاب البعض منها التراجع بفعل التأثيرات المختلفة الموضوعية والذاتية، سواء بسبب عدم رغبة البعض في تجديد أدواتهم أو بسبب إغفالهم للمتغيرات في مواجهة التحديات وعدم القدرة على التعامل معها.

وهنا من المهم الإدراك بأن التاريخ لا يقف عند نقطة معينة، بل هو في حركة دائمة. الحركات التحررية الوطنية المنتصرة عبر التاريخ المعاصر هي التي نجحت في التجديد وتغيير برامجها وأدواتها بما يتماشى مع الأهداف والظروف، بينما تلك التي عجزت عن مواكبة المتغيرات فقدت مواقعها.

هذا الواقع يتطلب من أن تعمل "فتح" على إدراك أهمية ذلك لتبقى أو تكون العمود الفقري للمنظمة والحركة الوطنية الفلسطينية، وأن تعمل على استنهاض الحركة الوطنية بما يتناسب مع التحديات الراهنة، ولهذا الدور استحقاقات يتوجب إدراكها والعمل بموجبها دون الهروب إلى الأمام منها أو التأثر بحسابات ذاتية للبعض، حتى لا نكون متأخرين عن صيرورة تطور الزمن، ولأن الزمن لا يقبل الفراغ.

لقد بات من الضروري القيام بتقييم نقدي لحركة "فتح" وبالتالي أيضًا لمنظمة التحرير منذ توقيع اتفاق أوسلو، خاصة بعد إعلان دولة الاحتلال تحللها منه رغم تفاوت المواقف من ذلك الإتفاق وما أدى له من واقع نعيشه اليوم. العلاقة مع الاحتلال يجب أن تُبنى على قاعدة الصراع المستمر حتى الوصول إلى الحق بتقرير المصير وإقامة الدولة ذات السيادة، خاصة في وقت تتواصل فيه حرب الإبادة ومحاولات التهجير والاقتلاع العرقي بكل زاوية من فلسطين، مع ضرورة إدراك أهمية بناء الإجماع الوطني القادر على مواجهة هذه التحديات وفق استقلالية القرار الوطني ووحدة قرار السلم والمقاومة، وفهم حدود العلاقة وامتزاجها بين السلطة الوطنية وحركة 'فتح" وفقًا لمكانتها المفترضة كحركة تحرر وطني.

منذ 60 عامًا من عمر "فتح"، ما زالت حركتنا الوطنية المعاصرة تسعى لاستكمال مرحلة تحررنا الوطني التي لم تُنجز بعد . وفي هذا الإطار ، تكمن أهمية تجديد الحركة والحفاظ على دورها الطليعي في المشروع الوطني الفلسطيني، على أساسٍ من الوحدة الوطنية والتعددية الفكرية وإدراك معنى الاختلاف في إطار الوحدة التنظيمية وعلى قاعدة احترام الرأي والرأي الآخر تحت سقف البيت الجامع والواحد إن كان في "فتح" أو بالإطار الأوسع في منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد لشعبنا التي يجب أن تتسع للجميع وأن تدرك معنى التطور والتموضع السياسي على المستوى الإقليمي والدولي اليوم. إن "فتح" يجب أن تظل الحامل والحاضن الأساسي للسردية التاريخية للفكر الفلسطيني في مواجهة رواية الفكر الصهيوني، إلى جانب القوى الوطنية الأخرى وقطاعات المستقلين الواسعة وتحديدًا فئة الشباب منهم.
في الختام، فإن انعقاد دورة المجلس الثوري لحركة "فتح" يمثل لحظة مفصلية تتطلب وضوحًا وحسماً وجرأة  في التوجهات وفي التعاطي مع محاولات الحلول والضغوطات وخاصة الأميركية منها، وعلى الحركة أن تواصل دورها القيادي دون الخضوع لإملاءات أحد، من أجل تمكنها من حماية شعبنا وتطوير أداء منظمة التحرير وكافة مؤسساتها وبالمقدمة منها المجلس الوطني الفلسطيني وتعزيز مقولة أن "الشعب هو مصدر السلطات" وفق ما جاء في وثيقة إعلان الاستقلال الوطني.