بقلم: حسين نظير السنوار

بعد اعتقال دام 19 عامًا، أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن المعتقل ياسر أبو دقة (38 عامًا) من بلدة عبسان شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، ضمن الدفعة الرابعة من "اتفاق وقف إطلاق النار" على القطاع، لكنه لم يجد أفراد عائلته في استقباله بعد استشهادهم خلال حرب الإبادة الإسرائيلية التي استمرت 15 شهرًا.

واعتقل الاحتلال أبو دقة في 16 آب/أغسطس 2006، وحكم عليه بالسجن مدة 27 عامًا، ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حرم كغيره من المعتقلين من التواصل ومعرفة ما يدور في العالم خارج أسوار المعتقل وأسلاكه الشائكة، كما تعرض للتعذيب والضرب والإذلال، علاوة على الحرمان من الطعام والشراب والدواء والكساء.

يقول أبو دقة: "لكم تمنيت أن أخرج من السجن وأرى عائلتي في استقبالي، لكن تبدد حلمي حينما خرجت وقد وجدتهم شهداء إلا واحدة من شقيقاتي".

ويضيف والألم يعتصر قلبه: "لقد خرجت مؤخرًا بعد اعتقالي لتسعة عشر عامًا متتالية، فلم أجد أهلي وإخواني وأخواتي وأبناء عمي ولا حتى منزلنا ومنازلهم التي سوتها طائرات الاحتلال الحربية بالأرض وحولت خارطة المكان إلى ركام وسرحت سكانها إلى المقابر بعد أن قتلتهم جميعًا".

ويتابع أبو دقة: "اعتقلت عام 2006 بعد إصابتي في الصدر والقدم خلال اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لبلدة عبسان، وحكم عليّ حينها بالسجن لمدة ثلاثين عامًا، وبعد استئناف تم تخفيض المدة لسبعة وعشرين عامًا قضيت منها تسعة عشر عامًا، تعرضت خلالها لشتى أنواع العذاب والشبح والضرب والعزل والجوع والإذلال والتنقل بين السجون والحرمان من زيارة الأهل".

ويقول أبو دقة: "لقد تجرعت مرارة الفقد وأنا داخل المعتقلات حينما توفي والدي في العام 2015 بعد صراع طويل مع المرض ولم أتمكن من وداعه وإلقاء النظرة الأخيرة عليه، وما زادني ألمًا وحسرة حين تنسمت الحرية لم أجد أحدًا من أهلي خاصة والدتي وإخواني وأخواتي، بل وجدتهم جميعًا شهداء وهذا جرح سيبقى ينزف في قلبي ما دمت حيًا".

وحول ما يتعرض له المعتقلون من انتهاكات وتعذيب، يُشير أبو دقة: "كل ما تعرضت له خلال فترة اعتقالي لا يقارن بما يتعرض له المعتقلون الذين اعتقلوا خلال الحرب على قطاع غزة من ضرب وشبح وإذلال وجوع"، مؤكدًا أن عددًا منهم قضوا شهداء خلال التعذيب دون أن تفصح إدارة سجون الاحتلال عن استشهادهم.

ويقول أبو دقة: "كنّا نسمع أصوات التعذيب والضرب والمعاملة القاسية التي يتعرضوا لها، كما أن هناك المئات من المعتقلين تكسر عظامهم ويصابوا ويجرحوا خلال التعذيب ولا يُقدم لهم العلاج، بل يزيد السجان الضرب والتعذيب على المكان المصاب، كما يعاني المئات منهم أمراضًا مزمنة وخطرة وتتجاهل إدارة السجون تقديم العلاج أو حتى عرضهم على الطبيب وتكتفي بإعطائهم مسكنات دون فائدة".

ويضيف: أكثر ما يؤلم المعتقلين بداية اعتقالهم وخلال تواجدهم في "بركسات" الاعتقال وخلال فترات التحقيق هو إجبار جنود الاحتلال لهم بالجثو على ركبهم وهم معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي، والضرب المبرح وعلى أنحاء الجسم كافة كلما تحرك الواحد منهم، وتتفاوت هذه المدة حسب أهواء المحققين حيث يجبر المعتقل على هذه الجلسة لفترات متفاوتة تتراوح ما بين الشهر إلى الثلاثة أشهر متتالية قبل نقله إلى الأقسام مع المعتقلين، إضافة لحرمان المعتقلين من الملابس الشتوية والأغطية وإخراجهم إلى فترة العد وهم بملابس خفيفة في ساعات الفجر الأولى عند اشتداد البرودة في الأجواء الشتوية القاسية.

كما تحرم إدارة سجون الاحتلال المعتقلين من ممارسة حياتهم اليومية بحرية داخل أقبية وأقسام المعتقل، فهي التي تتحكم بالمياه والحمام وأدوات التنظيف، وفي كثير من الأوقات يتم إغلاق المياه عن أقسام، حتى مياه الشرب تأتي ساعة واحدة يوميًا، وأحيانًا يتم معاقبة المعتقلين بإغلاق الحمامات وترك واحد فقط للقسم، الأمر الذي يجعل ازدحام وفوضى وإذلال للمعتقلين.

ويلفت أبو دقة إلى أن المعاملة السيئة والضرب والشبح والعزل زاد بشكل ملحوظ خلال الحرب، ولم يقتصر على المعتقلين الجدد بل طال جميع المعتقلين السابقين في جميع سجون الاحتلال، فقد قلصت إدارة السجون وجبات الطعام لجميع المعتقلين، حيث لا تكفي وجبات الطعام الثلاث المقدمة يوميًا لإشباع المعتقل، فجميعها لا تساوي وجبة واحدة في أيام ما قبل الحرب والتي كانت في الأصل لا تكفي حيث يقدم الطعام للمعتقل فقط ليبقى على قيد الحياة لا ليشبع.

ويردف أبو دقة: "كنّا نتمنى طوال أيام الحرب أن نموت شهداء داخل السجون ولا يحدث لغزة وأهلها ما حدث"، مشيرًا إلى أنه "صعق من هول ما رأى من دمار وخراب".

ويوضّح أن "السجانين يمارسون دائمًا ضد المعتقلين حربًا نفسية من خلال نقل أخبار لهم عن ذويهم تكون غير دقيقة، ومن خلال إجبارهم في غير وقت على سماع أغان وأصوات صاخبة وعالية بهدف ازعاجهم".

ويردف: "لقد تعرضت من قبل إدارة سجن (نفحة) لعقوبات قاسية، ونقلت من أقسام السجن إلى زنازين العزل الانفرادي، ومنعت من الزيارة، وحرمت من (الكانتينا)، وفرض عليّ غرامة مالية، ونقلت إلى سجن (ريمون) وتعرضت أيضًا لشتى أنواع العذاب والقهر وكنت أعد الدقائق والساعات والأيام لكي أنهي حكمي وأخرج من السجن لأعانق من أحب ولكن قدر الله غالب".

ويؤكد أبو دقة أن "المعتقلين في سجون الاحتلال هم أسود جبابرة وأبطال صامدون في وجه التعذيب الوحشي الذين يتعرضون له ليل نهار، فكلما تعذبوا يزدادوا شموخًا، فهم يجوعون ولا يركعون، وشعارهم الموت ولا الخضوع والركوع لعنجهية السجان وعذاباته، فهم المثل الأعلى الذي يتعلم الجميع منه الصبر والتحدي والعنفوان والشموخ، هم الشعلة التي تنير درب شعبنا، وهم من ضحوا في سبيل الوطن وكرامة شعبه، وهم الجرح النازف في قلب فلسطين النابض، وتعجز الكلمات أن تعبر عن معانتاهم وعذاباتهم وحرمانهم من أعز الناس وأحبهم على قلوبهم".

ويزيد أبو دقة: لم تقتصر معاناة عائلات المعتقلين على فقدان أبنائهم خلف قضبان الاحتلال، بل طالت هذه المعاناة الذل والإهانة لهم عند الزيارة، فعرقلة من جهة وإساءة في المعاملة من جهة أخرى تتلقاها أمهات وآباء وأبناء المعتقلين أثناء الزيارة، وإن المعتقل وذويه ينتظرون بشوق ولهفة موعد الزيارة المحددة من قبل إدارة السجون رغم تعرضهم  للتفتيش والإهانة والتصوير الاشعاعي الذي يشكل خطرًا على صحتهم وعرقلة الطريق وقصر وقت الزيارة، متمنيًا أن يتم إطلاق سراح المعتقلين جميعًا من سجون الاحتلال وأن يتذوقوا طعم الحرية.

يذكر أن عدد المعتقلين في سجون الاحتلال يبلغ أكثر من عشرة آلاف معتقل، وهذا المعطى لا يشمل معتقلي غزة كافة في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال، فيما استُشهد 58 معتقلاً في سجون الاحتلال منذ العدوان الإسرائيلي على شعبنا في تشرين الأول/أكتوبر 2023.