أيُّ نصرٍ هذا الذي تلوِّنونهُ بالدمِ؟
أيُّ مجدٍ ذاكَ الذي تُشيِّدونَهُ فوقَ العظامِ؟
غزَّةُ ليست رايةً تلوِّحون بها في مهبِّ الريحِ،
ولا مِدادًا يسيلُ على ورقِ الخُطبِ،
هي نبضُ المدنِ المُجهدة،
هي رئَةُ البحرِ المختنقِ بالبارودِ،
هي وجهُ الطِّفلِ الذي يحلمُ أن يكبَرَ يومًا بلا خوفٍ،
ويحملُ حقيبةً لا تختبئُ فيها الرَّصاصةُ.
**
أيُّ نصرٍ هذا؟
والمدائنُ تتهدَّمُ كأنها أعشاشٌ في مهبِّ العاصفة،
والأمهاتُ يَلْملِمْنَ أبناءَهُنَّ من حوافِّ الركامِ
كمن يَجمَعُ القَمرَ المُنكسرَ من بحيرةِ الظلامِ.
**
أيُّ نصرٍ هذا؟
حين يصبحُ الوطنُ خيمةً على أطرافِ الحدودِ،
والنهرُ الذي حلمنا أن نَروي به عطشَ العودةِ
يصيرُ دمعًا يُهرَقُ فوقَ أرصفةِ الرحيلِ.
**
لقد قلتم: مقاومةٌ،
لكنَّ البحرَ لم يعُدْ يعرفُ أسماءَ الموجِ،
والأرضُ تنزفُ بُذورَها في صمتٍ،
والأفقُ مصلوبٌ على بوابةِ الحصارِ.
**
قلتم: نصرٌ،
فأينَ الحقولُ التي كان يجبُ أن تُزهِرَ؟
وأينَ المدنُ التي كانَ ينبغي أن تُبنى؟
وأينَ الوطنُ الذي وعدتُمونا به
حينَ رَهَنتُم أحلامَنا للبارودِ؟
**
أيُّ نصرٍ هذا؟
حين يصيرُ الوطنُ منفىً،
والمنفى وطنًا مؤقتًا،
والأرضُ تنظرُ إلينا بعينٍ باكيةٍ،
كأنها أمٌّ أُلقِيَ ابنُها في المجهولِ.
**
أيُّ نصرٍ هذا؟
حين لا يبقى في الديارِ
إلا صدى التكبيرِ فوقَ البيوتِ المهدومةِ،
إلا النوافذُ الفارغةُ
تُلوِّحُ بيديها لراحلٍ لن يعودَ،
إلا المدنُ التي كانت يومًا لنا
وتحوَّلت إلى ذاكرةٍ مكتوبةٍ بالدمِ.
**
يا من تشعلونَ الحروبَ،
بأيِّ حقٍّ تأخذونَ منَّا الأملَ؟
بأيِّ لغةٍ تقنعونَ الليلَ
أن الشمسَ لن تغيبَ عنَّا للأبدِ؟
**
أيُّ نصرٍ هذا؟
وأيُّ وطنٍ ذاكَ الذي لا يَسْكُنهُ أحد؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها