دعونا نتفاءل قليلاً، ونزيد من منسوب الأمل ونحاول أن نصنع من المأساة الحالية ما يفيد الشعب الفلسطيني ويفيد من بقي حيًا في قطاع غزة، ودعونا ونحن نتصدى لمخطط التهجير نفكر كيف سنعزز صمودنا ونعيد بناء القطاع ونرى له مستقبلاً أكثر إشراقًا من "ريفيرا" الرئيس ترامب. وفي إطار ما هو عملي فكرت بسؤال، ماذا سنفعل وأين سنذهب بمئات ملايين الأطنان من الركام التي تركتها حرب الإبادة الإسرائيلية والتي تغطي أكثر من نصف مساحة القطاع، والتي يقال أن إزالتها تحتاج إلى سنوات؟.

وعلى الفور تذكرت قصصًا مشابهة، عندما قام الراحل رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، بتوسيع مساحة بيروت باستخدام ركام وسط بيروت من مخلفات الحرب الأهلية اللبنانية بردم البحر، أو عندما حولت اليابان مخلفات الدمار الحاصل من قصف هوروشيما ونكازاكي بالقنابل النووية إلى تلال وحدائق جميلة.

وفي قطاع غزة هناك فرصة لتوسيع مساحته بردم أجزاء من البحر على جزء من الساحل ونضيف عدة كيلومترات مربعة. نقيم عليها مرافق سياحية وأبنية سكنية، ونستفيد من الأرض داخل القطاع في توسيع المساحة الزراعية، أو أن نقيم حديقة عامة "National park"، يضيف مساحات جميلة للقطاع وتضيف للجانب السياحي مساحة أخرى. ويمكن أن نستخدم الركام في بناء ميناء ضخم ومطار ليس على حساب المساحة الحالية بل في عمق البحر، ونعيد هيكلة بناء الأحياء مع الاحتفاظ بمناطق تربط بين الواقع الذي كان قبل الحرب وغزة المتجددة.

بالتأكيد أن حكومتنا قد تكون فكرت في كل ذلك وأكثر، ولكن طرح المسألة للنقاش، من شأنه أن يجعل الفلسطيني ينظر للمستقبل وألا يبقى عالقًا في الحاضر المرير أو تموجات السياسة المحبطة وخاصة ما يدور من حديث أميركي إسرائيلي حول إقتلاع المواطنين الفلسطينيين من قطاع غزة وتهجيرهم إلى دول عديدة.

صحيح أن الخطوة الأولى في إعادة البناء هي الصمود على الأرض وإفشال مخططات التهجير، والخطوة الثانية ضمان أن يكون القطاع موحدًا مع الضفة في إطار الدولة الفلسطينية، وخلال ذلك وضع رؤية لعملية البناء، توضع بين أيدي المخططين والمهندسين على شتى اختصاصاتهم، والتعاقد مع الشركات، صحيح أن رجال الأعمال يتمتعون بخيال يفوق خيال الإنسان العادي، ولكن يفقد رجال الأعمال أحيانًا بوصلة الهوية، الحفاظ على الطابع الفلسطيني الخاص في بعض الملامح. الحفاظ على الهوية التاريخية للمكان، وألا يكون المنتج وكأنه قطعة جميلة لكنها غير مألوفة لأصحابها، هنا يكمن الإبداع أن يصبح قطاع غزة قطعة استثمارية عصرية وفي نفس الوقت نحافظ على جذور المكان التاريخية والوطنية.

هذا الحديث يقودنا لما هو راهن وهو أن نقدم نحن والأشقاء العرب بديلاً عمليًا لمخطط ترامب. وليخرج هذا البديل من القمة العربية القادمة، ويشمل تصورًا كاملاً لعملية البناء وتمويله وأطرافه، ومسألة أمن القطاع وكيف ستصبح بيئته المستقبلية السلمية. هناك حاجة لربط إعادة البناء بالأفق السياسي ضمن مشروع للسلام الشامل يخلق بالفعل شرق أوسط جديد بطريقة عادلة.

دعونا نتخيل أنه في يوم ما سيأتي حتمًا في المستقبل، وسنمشي على شاطئ قطاع غزة الذهبي نرى زرقة البحر من جانب، ومن جانب آخر مباني ضخمة عصرية وحدائق، مقاهي ومطاعم، وبنوكًا ومكتبات وأسواقًا، وفي الطرف الآخر من القطاع مزارع ومصانع، وأثناء التجول ندخل إلى متحف في وسط غزة فيه صور وأجسام فنية عن ما كان من دمار، ونقول لقد دمرنا ولكننا لم نهزم. وفي الجهة الأخرى من المتحف جناح للفن الفلسطيني المعاصر، لوحات لرسامين فلسطينيين وأجنحة أخرى عن الفن العالمي المعاصر. هذا ليس حلمًا أو خيالاً وإنما ستعيشه أجيال الشعب القادمة حتمًا.