عند تسليمهم لثلاث رهائن إسرائيليات، ظهر أخيرًا عناصر "حماس" مسلحين وملثمين وبلباسهم العسكري، وعلى نحو استعراضي تمامًا، لم نكن نشاهد طوال الخمسة عشر شهرًا الماضية من الحرب أيًا من هؤلاء العناصر، بهذا اللباس، بل كانوا بقمصان وسراويل مدنية، وينتعلون الصنادل وبعضهم كان بثياب النوم، ومن بين بيوت الناس، ومساكنهم، كانوا كما صورتهم فضائية "الجزيرة" يطلقون قذائفهم باتجاه آليات جيش الاحتلال، لينسحبوا خلف هذه البيوت، والمساكن ذاتها، وهذا مع الرد الإسرائيلي العنصري العنيف، على هذه القذائف، ما ساهم في تعظيم الخسائر بين صفوف المدنيين، من أهل القطاع الذبيح، فكثير من البيوت والمساكن دمرتها قذائف دبابات الاحتلال، وطائراته فوق رؤوس أصحابها.

وللموضوعية، وحده الذي كان يظهر ملثمًا بلباسه العسكري، كان هو الناطق العسكري باسم "حماس" غير أن هذا كان على شاشة فضائية "الجزيرة" ليس إلا، حيث الصورة، والصوت، والخلفية الخضراء، على أكمل وجه فني.

ليس بعد سقوط نقطة الحياء من على جبين الإنسان، غير الوقاحة، خمسة عشر شهرًا من حرب طاحنة لم تجرؤ حماس على أن تظهر أيًا من عناصرها بلباسه العسكري، لكن حين قرر اتفاق الهدنة صمتًا للمدافع، أخرجت حماس عناصرها باللباس العسكري، لغاية ليست استعراضية فحسب، وإنما كذلك لأجل فبركة سردية الانتصار. السردية التي بدأت تتوالى مطولات الحديث عنها والإشادة بها، من قبل مجموعات حماس ذاتها، ومقتنصي اللحظة العاطفية، من انتهازيي فضائية الخديعة والفتنة، التي جعلت من زعيم حزب مجرد محلل سياسي.

لنتذكر هنا أننا لم نكن يومًا نشاهد فدائيًا دون قيافته العسكرية القتالية، وجزمته، التي تغنى بها شاعر فلسطين الكبير محمود درويش التي صنعت أفقًا كما قال، خلال تصدي الفدائي للاجتياح العسكري الإسرائيلي، للبنان عام 82 من القرن الماضي.

لا تؤلف البلاغة النصر، حتى رواة الواقعية السحرية أو العجائبية، ليس بوسعهم تأليف سردية للانتصار دون أن يكون هناك شيء من النصر على أرض الواقع حتى وإن كان بين الركام، لكن بين الركام في غزة ليس غير جثامين الضحايا وبعضها تحلل وبات هياكل عظمية. والحق ليس هذا دليلاً على عدم الانتصار والتضحيات العظيمة، في إطار المقاومة الوطنية، ذات القرار الوطني الواحد، تصنع الانتصار ولا شك، ولهذا فإن الدليل على خرافية وبلاهة السردية الحمساوية عن الانتصار، هو أنها ببساطة مجرد بلاغة شعبوية، وليس لديها في الواقع ما يسندها، تمامًا كمثل تلك السردية التي أنتجها بعد هزيمة الخامس من حزيران، عام سبعة وستين، النظام السوري الذي دل على انتصاره بعدم سقوطه وبقائه على سدة الحكم، على الرغم من أن هذه السدة لم تعد تشمل الجولان السوري، الذي بات محتلاً حتى اللحظة.

يبقى أن نقول الحياء ليس مجرد نقطة، بل هو شعبة من الإيمان طبقاً للرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) في حديثه الشريف، فأين سردية حماس من هذه الشعبة؟.